الأربعاء، 25 أغسطس 2010

رحم الله غازي فقيد الجميع

بسم الله الرحمن الرحيم

الموت حق وكل الناس ذائقه .. ليس هناك مخلوق بمنأى عن الموت , وليس لنا إلا الإيمان بقضاء الله وقدره مهما فجعنا بفقد الأحبة والأصدقاء والأعزاء على قلوبنا .
فوجئنا قبل أيام بفقد عزيز على قلوب الكثيرين في المملكة وخارجها , ليس فقيد أهله فقط بل فقيد الجميع ..

كانت الصدمة كبيرة لوفاة الدكتور غازي القصيبي رحمه الله تعالى ليس من قلة الإيمان وعدم تقبل القضاء !. ولكنها من هول الفاجعة وكبر منزلة الفقيد في القلوب.

كتب الكثيرون عنه وليس هناك الجديد مما قد يقال هنا سوى التعبير عن مكنونات القلب لهذا الفقيد .. أحببناه رحمه الله منذ أن عرفنا اسمه حين عين وزيراً للصناعة والكهرباء حيث كنا في منطقة لم تحلم بالكهرباء لصعوبة جغرافيتها وقلة الإمكانيات فلم يكن لأهلها سوى الأتاريك وقد تتيسر مولدات الكهرباء الخاصة عند بعض المقتدرين وفجأة وإذا بعمالة شرق آسيوية تزرع الأعمدة في كل إتجاه وعند كل بيت ومع تساؤل الناس ذُكر لهم أن وزير الكهرباء وبتوجيه من الملك خالد رحمه الله قرر أن تصل الكهرباء لكل بيت فأصبح الناس بين مكذب ومصدق حتى أُضيئت المنطقة.!. وكأن القصيبي يلتزم بقوله :
إذا سهرت مقلة في الظلام .... رأيت المرؤة أن أسهرا

فقد سهر حتى ضمن أن الجميع في أنوار الكهرباء منعمون وأصبح إسم غازي القصيبي يتردد بين الجميع ..
ثم ازداد إسمه تردداً بين الناس حين أُنشئت الجبيل الصناعية وبديء بناء المصانع في سابك والتي كان له الفضل في إنشائها وفي إختيار الإسم أيضاً , فمن يعرف الجبيل من قبل يرى البون الشاسع بين الجبيل قديما وبينها بعد بناء المصانع ..

وجاء دور الصحة فاستلم زمام الوزارة وارتقى بها فبعد أن كان الجميع يشتكي من سوء الخدمات وعدم إهتمام الكادر الصحي بالمرضى تغير الوضع ( 180 ) درجة , حيث أصبح جميع منسوبي وزارة الصحة وفي كل بقعة يتخيلون القصيبي أمامهم وذلك لكثرة ماكان يقوم به من الزيارات الفجائية للمستشفيات والمراكز الصحية في كل منطقة حتى أصبح الناس يتناقلون رؤيته في عدة مناطق في وقت واحد .!.

وفي المجال الدبلوماسي كان للقصيبي الدور الفعال في الإرتقاء بالعمل الدبلوماسي في السفارات التي عمل بها , فقد جعلها ملاذاً بحق لكل سعودي في تلك الدول حتى أصبحت السفارات منارات للثقافة والأدب ..

وأخيراً إستلم زمام وزارة من أصعب الوزارات وهي وزارة العمل قادها رغم الصعوبات التي واجهته بين متطلبات تجار وأصحاب أعمال ومتطلبات الباحثين عن الوظائف مع إزدياد البطالة ومع هذا لوحظ التحسن الواضح وبدأت معدلات البطالة في الإنخفاض , ولم يكن رحمه الله يتوانى عن تشجيع الشباب للعمل بل والنزول شخصياً لميدان العمل ليكون القدوة لهم .

هذا هو القصيبي الذي فقدناه ( رحمه الله ) كان يحن الى أيام عمله في الجامعة حيث يقول :
على الدفاتر خلفت الصبا نتفا .... وفي الفصول تركت القلب أجزاء
على الطباشير شيء من دمي عجبا .... تبدو الطباشير رغم الجرح بيضاء


رغم كثرة الأعمال وأهمية المناصب التي قام بها القصيبي إلا أنها لم تشغله عن الشعر والأدب فقد كتب عدد من القصائد كونت دواوين جمعت بين الغزل والرثاء والهم الإسلامي , إضافة الى الروايات والكتب الثقافية الأخرى التي ستبقى رغم محاربة البعض لها ..

نجد في كتاب ( حياة في الإدارة ) أسس الإدارة والأسلوب الحكيم لغازي القصيبي في حياته الإدارية في كل منصب مما جعل الكتاب من أهم المراجع في علم الإدارة .. وهناك كتاب صغير في عدد صفحاته إلا أنه كبير بمحتواه وما أشتمل عليه من رؤية حكيمة لمفكر مسلم وهو كتاب ( ثورة في السنة النبوية ) والذي يستحق أن يطلع عليه كل صاحب منصب ويتوسع فيه أهل العلم ليضيفوا عليه ماتبقى ..

وفي الختام سأورد بعض الأبيات للشاعر الدكتور غازي القصيبي رحمه الله تعالى .
يقول عن حال الأمة العربية :

صواريخها في فضاء العروض ..... وأسطولها مبحر في الضباب
وتقتل تغتال أولادها ...... وتلقى العدو بحلو العتاب
***
عشنا مع الذل حتى عاف صحبتنا ..... نمنا مع الصبر حتى ضج أيوب***
أنا من أمة تخوض وحولاً ...... من هوان وتزدريها الوحول
***
قد عجزنا حتى شكا العجز منا .... وبكينا حتى أزدرانا البكاء
وركعنا حتى إشمأز ركوع ...... ورجونا حتى استغاث الرجاء
أيها القوم نحن متنا ولكن .... أنفت أن تضمنا الغبراء
**

إن مات غازي القصيبي فإن ما أنجزه من أعمال خلال حياته , وما تركه من أثر بعده سيبقيه خالداً في ذاكرة كل من يعرفه ونبراساً لأجيال قادمة ..
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ورحم جميع أموات المسلمين .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .

العميد الركن م / علي بن ضيف الله الزهراني
a-z@mail.net.sa
http://www.zahrani3li.blogspot.com/
نشرت في صحيفة مكة الإلكترونية بتاريخ 23/08/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق