الأربعاء، 29 نوفمبر 2023

عزاوي الثلابة ..

 

عزاوي الثلّابة

 

العزاوي هي نوع من الشعر الشعبي في منطقة الباحة منظومة على هيئة أناشيد وقصائد مطولة موزونة ومقفاة ينظمها الشاعر لعدة أغراض منها تسجيل بعض الحوادث المهمة التي مرت في حياة الشاعر أو التغني بمفاخر القبيلة والعائلة أو النهي عن بعض الأمور التي يرى الشاعر أنها مخلة بالآداب وهناك بعضها تنظم في الابتهالات والتوسل ، ويطلق على العزاوي مسميات أخرى منها القيفان ومفردها قاف والوسائل ومفردها وسيلة ، وهناك شعراء مشهورون بنظم هذه العزاوي منهم معيض القافري وسعيد المقرى وعبدالله الشافق رحمهم الله وغيرهم.

أما الثّلابة فكما رواه لنا من أدركنا من كبار السن رحم الله من مات وأحسن خاتمتنا ومن بقي منهم أن لقب ( الثلّابة ) يطلق على الشبان الذين سيتم ختانهم وأحدهم ( الثلّاب ) حيث كان الختان قديما لا يتم إلا بعد أن يقارب الشاب سن البلوغ وبحظور أقاربه وخاصة أخواله فيجمعون الثلّابة من مختلف قرى القبيلة المتقاربة في ميدان واحد وفي احتفال كبير يحظره جميع أهالي القرى ، وكان أهل الثلّاب قبل الموعد بمدة مناسبة يرسلونه إلى أحد الشعراء المتمكنين من نظم القيفان والعزاوي ليجهز له قافاً أو عزاوي ليقولها أثناء أداء الختان له وينبغي أن تضم هذه العزاوي على مفاخر العائلة والقبيلة والأخوال مع ذكر الأسماء ضمن الأبيات إن أمكن ، فيقوم الشاعر بتحفيظه حتى يتمكن من القائه أمام الحظور دون تردد أو وجل، وحين يعود الشاب إلى أهله وقد حفظ ذلك القاف أو العزاوي يختبره والده ليتأكد من إتقان ابنه وقدرته على استحضار العزاوي دون رهبة وتردد أو خطأ ، وحين يأتي اليوم الموعود للختان ( الطهار ) يجمعون الثلّابة في صف واحد ورجال القبيلة في دائرة المعراض حولهم فيأتي الشخص الذي سيقوم بالختان ليتأكد من استعدادهم وكان قد جهز أدواته فيقوم بأداء الختان لكل واحد منهم وحول الثلّاب أخواله وأعمامه يشجعونه ويتأكدون من عدم اهتزازه وخوفه وفي هذه الأثناء يلقي الشاب العزاوي بصوت مرتفع يسمعه الجميع رافعاَ رأسه في شموخ واعتزاز وكم يكون افتخار أخواله وأعمامه به فيطلقون الرصاص في الهوء ويحتلجون بالثّلاب في الميدان ( يأخذونه في رقصة حربية في ميدان العرضة ) وعند الإنتهاء من ختان جميع الثلّابة يؤدي أبناء القبيلة المعراض فرحة بالحدث وبزيادة عدد أفراد القبيلة المحاربين ثم يتناولون الوجبة التي أعدت لهم من أهالي الثلّابة ، وبهذا ينتقل الشباب إلى عالم الرجولة و الكبار في القبيلة ويصبح أحد أفرادها المقاتلين للدفاع عن القبيلة عند الحاجة .

قال ابن خُرمان:

رغم أن لدينا في موروثنا العديد من القيفان والعزاوي إلا أنني سأورد مثالاً واحداً من هذه القيفان التي اختصت بموضوعنا عن الثلّابة وهو قاف لأحد الأشخاص من بالحكم - بني كنانة بزهران ألقاه في وقت ختانه وهو ( علي بن محمد بن غلة رحمه الله ) عندما حان الوقت لختانه أرسله والده رجل الكرم المشهور ( محمد بن حسن بن غلة رحمه الله ) إلى الشاعر ( عبدالله الشافق رحمه الله ) أحد رجال أولاد سعدي من بني سليم بزهران وهو من المتمكنين في هذا اللون من النظم ولديه المعرفة والثقافة والنفس الطويل لنظم القيفان فما كان من الشاعر إلا أن نظم هذا القاف الجميل له وجلس الغلام في ضيافته عدة أسابيع حتى تمكن من حفظ العزاوي وإلقائها ثم ذهب إلى والده الذي أعجب بالقاف وبتمكن ابنه ولا يزال الناس خاصة من حضر المناسبة أو رويت له يتناقلونها ويروونها لغيرهم ، وهنا أورد للقارئ الكريم  القاف الذي نُظِم لهذه المناسبة :

 

يالله يارب(ن) عظيم العظائمي

 يأمن على خلقه رقيب(ن) وقائمي

 ويساهر الغرات ماهو بنايمي

عينه على ارض الله والسموات

 

اطلبك تغفر لي ذنوباً كسبتها

من شهوات في حياتي نحبها

ياليت قلبي عاف عنها وكبها

كنت البري من الذنوب ايهات

 

بنيت هذا القاف وادرِّج القدا

 ولا ابقيت فيه النقد للي تنقدا

يحلي كما محض البكار يبردا

 رعت من رشا الاجوال ابو السلمات

 

مع سليم الهوج ماصك فالها

واذا الله اعطى الخير ما احلى قبالها

 تسري على الحالب تهادر جمالها

قدحانها بعد الخطور تبات

 

وانا علي وقلبي أقسى من الحجر

ولد غلام ع المصدات ما انقصر

وجاد عليه الله مايشكي العسر

 ماهو كما اللي شح في المال لا كثر

وينتدي لاقلّت الندوات

 

بلاده لها عن بلاد الناس عينه

حرفات والوالج ولا انسى الصنيّنه

لاكن راعيها سخيه يمينه

ويعطي ولا ينقص لها دلفات

 

وترحيبته يشرح لها الخاطر الوني

 ولا انتزى ع المال يعدي وينثني

 ماشح في التيس الرباعي ولا الثني

ولا الجفير العقّر العزبات

 

وليت البخيل اللاش ينظر لصحننا

يوم قدمه عشرين بين ضيوفنا

تفدّع سواري البيت وانتدب البنا

 وظلى وراه العرضه والزلفات

 

في المجلس اللي حافه آبي ووسّعه

وله شروع(ن) بالسواري مقطعه

خمس بدايا فيه والزفّر اربعه

 فيها نقوش زاهيه وثبات

 

ما عمره على الكيله والفريكه

 الا ع الاودان الطياب المليكه

ميه من الاطراف الى بطن ليكه

وعشرين فودا آبي بعد ميات

 

وهو ريس(ن) واولاد حكما حمايته

ولا فيهم اللي ينتوي قطع ساقته

ولا اهتراهم في قريبه وفايته

تاعوا بها في مغدر الظلمات

 

وولد ابن غله يجبر القوم لاحضر

ويوفيه في الاشوار جمعان والجعر

 اذا بدوا بالشور طاعوهم الجبر

اهل سلال(ن) نقلته تعجب النظر

 ماهو ب للتعشير والحلجات

 

الا لحدان الطوارف وامانها

وأن ضمن الشيخان توفي ضمانها

 يحمي على غتات قومي سمانها

نهار ظلى الحرب والميلات

 

وحداننا بين القبائل ممكنه

ماقرروها بالمدارى ومسكنه

 الا ببندق فيه من كل عينه

وبالحكم ترهي له الشدات

 

والله لقاوسنا عميلاً يقوسنا

 ولا تندرق عن جور الارشاق رؤسنا

 نسخي معابرنا ونسخي فلوسنا

وعلنا نستطلع القالات

 

ونحن بني يوس اهل قاله وفتل الشور

 وحدنا من البضع الى منزل الصقور

والقاضي من بني يوس والشيخ والقفير

 نضحك ونذخر للعميل حنات

 

وفي شبرقه يوم البيارق منصبه

وروحوا الفتنه عروس مثلبه

 هبنا لها بين العميلين ملعبه

 رمي(ن) وجار الصفق والزلفات

 

وظلوا الاتراك من قوب هاربه

وبندقنا فيهم تهادر مضاربه

والباشا من رغدان قادوا بشاربه

عازوه في روحه وهو ما مات

 

والخاتمه من بعد ماقلت م القدى

 ذكر الله ربي وشفيعي محمدا

صلوا على المختار ياكل عابدا

واحبوا اليه الذكر والصلوات

 

ختاماً : سأكتفي هنا بما كتبته حتى لا يطول المقال ، وسأقوم بشرح القاف في مقال قادم بإذن الله .

والله ولي التوفيق .

 

 

كتبه /

علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني

الدمام

نوفمبر 2023 م الموافق جماد الأول 1445 هـ .


...........

نشرت في صحيفة مكة الإلكترونية على الرابط :

عزاوي الثلّابة – صحيفة مكة الإلكترونية (makkahnews.sa)


السبت، 25 نوفمبر 2023

إلى ابن خرمان مع التحية ..

 بسم الله الرحمن الرحيم


أكرمني أخي وصديقي ورفيق طفولتي وصباي ( العميد عبدالرزاق بن محمد عبوش الزهراني ) بهذا المقال في صحيفة مكة الإلكترونية بعنوان ( إلى ابن خرمان مع التحية ) أنقله هنا كما كُتِب في الصحيفة .


إلى ابن خرمان مع التحية..

بقلم / عبدالرزاق بن عبوش

 

بسم الله والحمد لله… والصلاة والسلام على نبيه وآله..

 

قالت العرب رب أخ لم تلده أمك! .. لا أعرف في حياتي حتى شقيقين من ظهر وبطن ارتبطا ببعضهما كارتباطي برفيق دربي وشقيق معاناتي وصنو صباي المعلم القائد الأديب الأريب علي بن ضيف الله آل خرمان عليه وعلى والديه السلام. فابن خرمان (وسألتزم بهذه حتى آخر المقال) مع احترامي لوالدي الغالي المهندس ضيف الله بكر بن خرمان -حفظه الله-..

أقول وبالله التوفيق إن ابن خرمان وإنا عشنا زمنًا جميلًا جدًا.. فهذا اليتيم (الضارب في أطناب المجد من أمه وأبيه رحمهما الله تعالى) الذي أمي تغمدها الله بوسع رحمته. هي عمته ابنة عم أبيه من دم ولحم وعظم، لم يشعر هذا اليتيم في كنفها باليتم وكان يناديها ولا زال برًا واحترامًا (أمي خضراء) وأما والدي والذي كان كافل ابن خرمان منذ صغره؛ فلم يشعر علي باليتم أيضًا رغم أنه دخل تحت كنف كافله طفلًا، وكان ولا زال يناديه احترامًا وبرًا بأبي عبوش (في الابتدائية) كانوا يسألون ابن خرمان إيش اسمك فيقول علي ضيف الله.. ولد من؟ ولد عبوش، وأكاد أجزم أن ابن خرمان أكثر برًا وحبًا لأبي وأمي منا نحن أولاد الظهر والبطن. والدي كان رجلًا ذا نظرة ثاقبة، وكان يرى في ابن خرمان مستقبلًا جميلًا، وفوق ذلك كنا كشقيقين وأكثر وكان والدي رجلًا حازمًا في غير قسوة يشكر الجميل، ويعاقب علي ضده عقابًا لا يصل إلى الإيذاء. أبي -رحمه الله- مربٍّ عجيب؛ وكأنه طبيب نفسي فقد دخل إلى قلب ابن خرمان وقلبي وكأنه مهندس كمبيوتر فعمل فرمته وأعاد البرمجة حسب ما يراه فأقنعنا أننا لسنا كغيرنا من أندادنا في القرية وزملائنا في المدرسة فغيَّر نظرتنا لأنفسنا وجعل منا مكدة عمل في رعاية حلاله، والعمل في بلاده، وحرصًا على التفوق الدراسي.. كان لديه حديث عجيب يلقيه علينا وتوجيهات منضبطة نلتزم بها ونجني نتائجها.. لم نكن ملائكة بل كنا (أشطن) اثنين ولكن باحترافية لا زلت أتعجب منها..

رعاية الغنم والحلال جمل وبقر ومشدود علمتنا أشياء كثيرة.

كان عند والدي مهارات لا زلت وابن خرمان لم نفك شفرتها إلى الآن ألا وهي التخبي إلى أن وصل الحد بأننا نتهمه بالسحر فكنا إذا عرفنا أنه سيأتي يتفقدنا يتعين أحدنا لمراقبته 360 درجة ولكننا نتفاجأ به بين الغنم أو طرف البلاد التي نحميها؛ وكأنه خرج من تحت الأرض.

وبالرغم من هذا الرجل الصارم الذكي الحازم الذي كانوا أهل القرية يقولون عبوش إذا صرح الوادي شردت الجن.. برغم ذلك إلا أن ابن خرمان وأنا احتلنا عليه وتمردنا كثيرًا بذكاء أكاد أشك أنه كاشفه ولكنه يتغافل حتى يشجعنا، ولا يتسع المجال وربما لا يسمح أخي ببعض السرد.. وإن سمح مستقبلًا فأعدكم به.. ليس فارق السن بيني وبين أخي كبيرًا، وربما يكون لصالحه ولكن التحقت بالمدرسة بعده بسنتين، وفي الصف الثالث مرضت فلم أذهب إلى المدرسة إلا وهو متخرج من الابتدائي والتحق بالمتوسطة في النصباء، وبقيت هذه الثلاث العجاف بيني وبينه حتى التقاعد. كان ابن خرمان وأنا شغوفين بالقراءة، نقرأ بنهم كل ما يقع تحت أيدينا وكنا نتسابق في سلامة النطق وسرعة القراءة وجراءة الإلقاء. لم نتجاوز المرحلة المتوسطة حتى أتينا على خزعبلات العرب كلها عنتر بن شداد سبعة مجلدات وسيف بن ذي يزن سبعة مجلدات وسيرة بني هلال كتابان لا يقل الكتاب عن 500 صفحة والزير وحمزة البهلوان وقيس والكثير غيرهم، وكنا نتقمص الشخصيات ونقلد الأفعال ونحفظ الأشعار ونسمي الحبيبات بأسماء حبيبات الأبطال فهذه عبلة وهذه جليلة وهذه علياء، وهكذا بل سمينا مواشينا بأسماء مواشيهم فجملنا عبلان جمل كليب وحمارتنا أجلكم الله النعامة فرس بن عباد وثورينا أحدهما عيروض والآخر فرحان وهما عفريتان من الجن كانا يجران عرش الملك سيف بن ذي يزن كما يزعم المؤلف.. كان لأبي -رحمه الله- أشياء خاصة لا يسمح بأي حال من الأحوال بالمساس بها منها فأسه وجنبيته وعصاته وراديو فيلبس كان يستمتع بسماع الأخبار والبادية، ومع المزارعين وخطب الملك فيصل التي كانت تُذاع كل ظهيرة في برنامج سعودي اسمه دعوة الحق يقدمه القدير بدر أكريم.

كنا نسترق الراديو ونذهب به إلى فراشنا، ونحرص كل الحرص على برنامج كان يُذاع من الإذاعة العربية في لندن، يتسلطن فيه المذيع الكبير جميل عازر.

وكم تمنيت أنني لم أره في قناة “الجزيرة”؛ حيث إنني كنت راسمًا له صورة في مخيلتي، ومع ذلك كم تقمصت صوته وقلدت إلقاءه وحتى كنت أتعمد تغير نبرة صوتي، وكان البرنامج أدبًا صرف شعرًا ونثرًا، يذيع قصائد “نزار قباني” جديد بجديد وكان يخصص آخر عشرين دقيقة لكَوكب الشرق سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وكم كان أبي ينهرنا حتى نقفل الراديو وننام. كان ابن خرمان مرتبًا ودقيقًا وأنيقًا في كل شيء بينما كنت أنا على طرف نقيض عبثي مهمل. بينما كان هو آلة حاسبة ما شاء الله لا قوة إلا بالله. متفوقًا في كل شيء يحب العلوم والرياضيات، ويعتمد على ذكاء حاد، كنت أنا أكره الأرقام عدا الهندسة. كنت أنا مسجلًا أتفوق في ذاكرة صلبة لا أكاد أنسى ما أسمع أو ما أقرأ. إلا أنها ضحلت وكلت ولله المشتكى.

كان تاثير ابن خرمان عليَّ كتأثير سيدنا موسى على هارون -عليهما السلام- (مع فارق التشبيه)؛ فما كنت أتخيل نفسي إلا مدرس لغة عربية أو مذيعًا كجميل عازر، ولكن سحر ابن خرمان وتأثيره ذهب إلى العسكرية…. وليتني مُت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا.

 

...............................

 نشر المقال على الرابط :

https://www.makkahnews.sa/5373283.html