الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

تعبنا يا مسؤولي البلديات ..

بسم الله الرحمن الرحيم

يعاني المواطنون في كل مدينة وفي كل حي من كثرة الحفريات في الشوارع والتي سببت لهم المضايقات عند منازلهم ، وتسببت في إتلاف سياراتهم ، وبعضها تتسبب في حوادث وإصابات وقد تحدث وفيات ، فما أن تنتهي شركة من الحفريات وتبدأ السفلتة حتى تأتي شركة أخرى لتحفر من جديد .! 

انتقلت للسكن قبل أربع سنوات تقريبا إلى حي حديث في إحدى مدن المملكة الرئيسية ومنذ ذلك الحين وحتى تاريخه ونحن نعاني من هذه الحفريات في الشوارع فمرة الكهرباء ومرة الهاتف وأخرى المياة والصرف وغيرها حتى أصبح الشارع من كثرة الحفر والدفن والسفلتة ينخفض في مكان ويرتفع في آخر وهناك حفرة وهنا قطعة أسفلت وكأننا نقود سياراتنا في أمواج بحرية لا على شوارع مسفلتة .. ولا تزال الحفريات مستمرة لا نعلم متى ينتهي أمرها.. الشيء الوحيد الذي يحسب لبعض هذه الشركات لوحات كتبت عليها ( نأسف لإزعاجكم ، نحن في خدمتكم ) .!
وماذا يفيد الأسف ؟!

لا أعلم ماهو دور البلديات في التقليل من هذه الفوضى في الخدمة حيث نعرف أن البلديات ينبغي عليها الإهتمام بمثل هذا الأمور لكننا لا نكاد نلمس لها دورا، فرغم وجود ذوي الشهادات العالية وكثرة حضور مهندسي البلديات والمخططين لدورات ومؤتمرات خارجية .. وزياراتهم إلى الدول الأخرى التي استطاعت تجاوز هذه المعضلات إلا أننا لا نلمس استفادتهم من ذلك ، ولا يزال الحال مستمرا في كل حي جديد في مدننا.!

الحل ليس بتلك الصعوبة إن رغبت الأمانات والبلديات بذلك فقد يكون هناك العديد من الحلول .. منها هذا المقترح للأحياء الحديثة وذلك بأن تقوم البلديات قبل السماح بالبناء في حي بإنشاء أنفاق خدمات خرسانية تتوزع في كامل الحي حسب المسارات المخططة ، وعند السماح بالبناء في الاحياء تلزم شركات الخدمات من كهرباء وماء وهاتف وصرف صحي وغيرها باستخدام هذه الأنفاق مع دفع نصيبها من أجور التكلفة وبهذه الطريقة لن تتحمل البلديات التكلفة ، وتجد شركات الخدمات الأنفاق جاهزة للاستخدام ، ويرتاح المواطنون من كثرة الإزعاج ومن اتلاف ممتلكاتهم وتسلم الشوارع من كثرة الحفريات واعادة السلفتة.!

أتمنى أن يجد مثل هذا المقترح أذنا صاغية ، وأن يستمع المسؤولون لمعاناة المواطنين ويعملوا على إيجاد الحلول فقد تعبنا.!

والله الموفق .


كتبه / علي بن ضيف الله الزهراني
الدمام/ 16 محرم 1436 هـ الموافق 9 نوفمبر 2014 م .

..............................................


نشر في صحيفة مكة الالكترونية على الرابط التالي :

http://www.makkahnews.net/articles.php?action=show&id=2767


الخميس، 16 أكتوبر 2014

الأمير بخروش بن علاس الزهراني ..

بسم الله الرحمن الرحيم

خلد التاريخ لمنطقة الباحة والتي تشمل غامد وزهران  أسماء رجال في العصور الجاهلية وصدر الإسلام كان لهم فيها شأن كبير وأثر واضح,  وسجل التاريخ لتلك الحقبة معارك وأحداث خلدت في الكتب , فلا نزال نذكر حممة وعمرو بن حممة ومالك بن فهم وأبا أزهير ثم عمرو بن الطفيل رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه وغيرهم الكثير , إلا أن ماسجل من التاريخ فيما بعد حقبة صدر الإسلام خذل هذه المنطقة وتجاهل أحداثها وكأنها اختفت من وجه الأرض أو كأن رجالها قضوا لم يبق لهم تاريخ يذكر, أو كأن نساءهم توقفن عن إنجاب الأبطال والمبدعين !.
رغم كل ما حدث من تجاهل لتاريخ المنطقة لا تزال تراودنا من حين إلى آخر أسماء يتناقلها الرواة , وقد نجد لبعض منهم شيء من الذكر وعلى استحياء في بعض الكتب التي سجلت بعض الأحداث في الحجاز وما يليها ومن هؤلاء :


الأمير الفارس بخروش بن علاس الزهراني .

خلال بحثي عن تاريخ هذا القائد البطل وجدت بعض الذكر المتناثر له في بعض الكتب والمراجع سأوردها بإذن الله في نهاية البحث .
كما وجدت أشمل حديث عن سيرته في بحث وجدته في الانترنت إعداد الأستاذ (عبدالله بن موسى الزهراني 23/11/1427هـ ) سأورده كاملاً لشموليته وحسن إعداده , مع بعض الإضافات التي أراها واجبة وستكون تحت عنوان ( قال ابن خُرمان ) وكلمة ( انتهى ) في نهاية الإضافة حفظاً للحقوق .
..........
أميـرٌ من زمن الحرب ( بخروش بن علاس الزهراني )

قيل قديماً ( لكل زمانٍ دولةٌ و رجال ) و نحن كـ " قُراءٍ " مبتدئين لأيام الدهر ولياليه الفانية نجد أن ( التاريخ لاينسى الدُّول , ولا يتجاهل الرجال ) بل هي طبيعة النسيان البشرية التي تجهل الكثير , وتتناسى حقائق الأيام ..
منذُ ما يقارب الستة أشهر بدأت في رحلة بحثٍ ممتعة , سبرت من خلالها أعواماً تليدةً من المجد , وقضيت بها عُمراً يتجاوز المئتين عام . كانت تلك الأشهر الجميلة التي قضيتها مع شخصية هذا البحث الكريم أشهراً أعُدها من أيام حياتي , ليس لأنها تتحدث عن شخصيةٍ عاشت ترسم مجداً لصفحات قبيلةٍ أنتسب إليها , بل لأنها شخصيةٌ جمعت بين أنواعٍ شتى من المجد , و الشجاعة , والرئاسة .. ( لا ) ليست كذلك .. بل لأنها شخصيةٌ كريمة لم ترتضي ذُلّ البشوات , ولا مهانة دفع أموال البسطاء الى سرايا عُظماء اسطنبول, وما أحرى بنا أن نقتبس من تاريخ تلك الشخصية العظيمة , نوراً من فجر الحرية , وشمساً جلية من هيبة الكرامة , و عَظَمة الحق .
رغم ذلك كله , فـ" للحقيقة " أقول لقد جَمعتُ شيئاً عن تلك الشخصية التاريخية , وفاتتني أشياءٌ أخرى , فإن أخطأتُ الصواب فادفعوا بذلك إلى نفسي , وإن أصبت فبتوفيقٍ من الله عز وجل .
بخروش بن علاس الزهراني
نسبهُ : لأسباب طول الأثر بين حياة الأمير بخروش بن علاس الزهراني الذي عاش في القرن الثاني عشر الهجري وبين الباحثين التاريخيين , كان لزاماً على أقوال التاريخ والمؤرخين أن تختلف وتتعارض وتتضاد في بعض المواقف التاريخية , فالمشهور عن نسب شخصيتنا الكريمة هو اسم { بخروش بن علاس } , غير أن الحقائق التاريخية التي تُحَدثُنا عنها بعض المصادر التاريخية القريبة من حياة ذلك الأمير , تُثبت أن اسم بخروش بن علاس اسم شهرةٍ أطلقه رواد التاريخ على تلك الشخصية الفريدة .. بينما أن الاسم الحقيقي والكامل لشخصيتنا التاريخية على أصح الروايات هو :
بخروش بن مسعود العلاسي البخروشي القرشي العامري الزهراني .
وتلك الشخصية الحربية التي حاربت طويلاً جحافل القوات العثمانية , شخصيةٌ كريمة من بيت شياخةٍ وحكم , فـ" جدهُ " الثاني المسمى بالبخروشي ( رواية شعبية ) كان ذا منصبٍ وشياخة على قومه من قريش بني عامر , وأستمر حكم تلك الأسرة حتى بعد مقتل بخروش بن علاس حيث اقتصرت شياخة تلك الأسرة على قبيلة بني عُمر في شخصية الشيخ عيظة بن جبران البخروشي , أما الأمير بخروش بن علاس فقد كان شيخاً على كافة قبائل زهران , وأسماه كثيرٌ من كُتاب التاريخ باسم الأمير عندما أضافوا إليه حكم بلاد غامد و زهران في دلالةٍ واضحة على امتداد حكمه , ورغم تتبعي لكثيرٍ من مصادر التاريخ إلا أنني لم أقف على حقيقةٍ تاريخية واضحة المعالم تُثبتُ حكم بخروش بن علاس لقبيلة غامد سوى خبر هزيمة بخروش بن علاس في بسل وانكسار { قومه } من غامد و زهران ..

قال ابن خُرمان :
ورد في كتاب بطون قبيلة زهران قسم السراة للأستاذ ( علي بن محمد بن سدران الزهراني ) وفي الصفحات من ( 512 – 532 ) ذكر للأمير بخروش بن علاس أورد ضمن ما أورد ما يلي بتصرف :
لم يكن الأمير بخروش بن علاس الزهراني صاحب مشيخة كابراً عن كابر على حيز من الأرض يعيش عليه مجموعة من الناس في قرى متقاربة يجمعها اسم القبيلة , وإنما كان صاحب إمارة امتد نفوذها على مساحة شاسعة من الأرض شملت جميع ديار بني عمر بسراة زهران , حيث كانت قبائل بني بشير وبني جندب وبني حرير وبني عدوان وقريش تحت نفوذه . وربما كانت سلطته في فترة من فترات حكمه تشمل ديار زهران قاطبة . ولا نعرف تاريخاً حقيقياً لنشوء هذه الإمارة , وكل ما نعرفه عنها ما تناقلته الرواة من أخبارها أواخر الثلث الأول من القرن الثالث عشر الهجري , إلى قريبا من نهاية النصف الأول من القرن الرابع عشر , وكانت على صلة وثيقة بحكام الأسرة السعودية الأولى , ولا يعرف من أمرائها الأوائل سوى بخروش بن علاس بن مسعود القرشي الزهراني , وهو من قبيلة قريش القاطنة شمال سراة زهران , على حدود بالحارث وغامد شمالا , وغامد شرقا , قاعدة حكمه قرية تسمى ( الحسن ) تقع شمال بلدة الأطاولة بخمسة أكيال , وقد ورد اسمه ضمن شهود الصلح الذي جرى بين كبار قريش سنة : 1199 ه , بسبب اختلافهم على زعامة سوق الخميس , وماعدا ذلك فقد ضن التاريخ بتقديم المزيد من المعلومات عن الأمير بخروش الزهراني , وعن نشوء هذه الإمارة وأحوالها الاقتصادية والأمنية ونظمها العسكرية والاجتماعية .
ويتناقل كبار السن أن بخروش بن علاس , كان فارساً مقداماً ورجل حرب مجرب , التف حوله بضعة آلاف من الرجال الأشاوس فألهب في قلوبهم الحماس ضد الحكم الأجنبي وخاض بهم حروبا ضارية ضد الأتاك وأعوانهم أشراف مكة ,  واستقل بإمارة بني عمر عن الأتراك والأشراف وآل عائض . وكاد يتغلب على محمد علي الألباني , حاكم مصر و جيوشه الجرارة .
( انتهى الاقتباس من ابن سدران ).

توليه الحكم : في عام 1218هـ توجه عثمان المضايفي بحملة كبيرة لإخضاع بعض المتمردين على حكم الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود , وفي وادي الحمى ببادية بني كبير من بلاد غامد وقعت المعركة الفاصلة بين أولئك المتمردين وأرباب دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب , حيث استطاع عثمان المضايفي من إخضاع قبيلتي غامد و زهران لحكم الإمام عبدالعزيز بن محمد , وأختار عثمان المضايفي تعيين الشيخ بخروش بن علاس أميراً على كافة بلاد زهران ( العام 1218هـ) بعد أن كانت إمارته مختصةً بأبناء قبيلته من قريش
شجاعته وأقول المؤرخين في ذلك :
•      جيوفاني فيناني .. مؤرخٌ ايطالي كان من أوائل الأوربيين الذين شاركوا في جيش محمد علي باشا , شاهد كثيراً من الوقائع الحربية بين الدولة السعودية الأولى وبين قوات محمد علي باشا , وهو من المؤرخين القلائل الذين حضروا معركة بسل , حيث كان شاهد عيان لبطولة بخروش بن علاس الزهراني حينما قال ( لم يشهد العرب أشجع من بخروش في زمانه )
•      جيرالد دو غوري صاحب كتاب " حكام مكة " ينقل عن المؤرخ السويسري بوركهات الذي حضر مقتل بخروش بن علاس وكان شاهد عيانٍ أيضاً على شجاعة بخروش .. بعد أن وقع بخروش بن علاس الزهراني في أسر محمد علي باشا , تمكن بخروش من الهرب , وبعد القبض عليه أمر محمد علي باشا كل جنديٍ من جنوده المحيطين به جرح بخروش بن علاس بالسيف جرحاً رقيقاً حتى يطيل فترة تعذيبه , يقول بوركهات (وظلوا عاكفين عليه هكذا إلى أن هلك , دون أن يشتكي ) .
•      محمد آل زلفة مؤرخٌ سعودي ترجم لموريس تاميزيه كتابه " رحلةٌ في بلاد العرب " يقول آل زلفة عن بخروش بن علاس الزهراني ( أبرز زعماء قبيلة زهران , وهو واحدٌ من أشهر محاربي الجزيرة العربية , وفرسانها المعدودين ) .
بعضٌ من أخباره ( حكم بخروش ) : جميع الأخبار التي تتبعتها عن حكم الشيخ بخروش بن علاس أخبارٌ شعبية , يتناقلها رواة المنطقة من كبار السن , والمهتمين بتاريخ قبيلة زهران , وأنا حين أذكر تلك الأخبار القديمة , أهدف إلى محاولة الإحاطة بأكثر جوانب هذه الشخصية التاريخية , ورغم أن تلك الأخبار التي نقلها رعية بخروش بن علاس ممن عاصروه إلى من بعدهم ليست بتلك الصورة الجيدة , إلا أنني أرد كثيراً منها ولا ألفت لها بالاً ..
قلعة بخروش بن علاس بقريش الحسن : روى كثيرٌ من كبار السن حادثةً مفصلة عن أسباب بناء تلك القلعة , حيث تذكر الروايات .. بأن بخروش بن علاس قد طلب من بعض عُرّافِ وعُرفاءِ قرى قبيلة زهران تسجيل مطالبهم العامة , واحتياجاتهم الخاصة , وذلك بشأن دفعها إلى الشريف غالب (كان يدين بالولاء للدولة السعودية الأولى بعض الوقت , والبعض الآخر ينتكس على عقبه فيعود لتجديد الولاء والبيعة للدولة العثمانية ) .. غير أن بعض أكابر القبيلة قاموا بالاتفاق فيما بينهم لإبعاد بخروش بن علاس عن مركز رئاسة القبيلة , فقاموا بإرسال بعض الرسائل السرية إلى الشريف غالب تُخبره عن مدى سخط وغضب الأهالي من ديكتاتورية بخروش بن علاس , وأخذوا يكيلون له في تلك الرسائل التآمرية الكثير من التُهم والإسقاطات , منها على سبيل المثال لا الحصر " تهاونه في جباية الزكاة من بعض قرى زهران .. تطبيق الحدود الشرعية على بعض الأفراد دون بعض ... إلى غير ذلك من الاتهامات " .
بعد ذلك قام بخروش بن علاس بجمع مطالب الأهالي , وسار بها في عيد 1220هـ إلى الشريف غالب بمكة , وهناك في قصر الشريف غالب بدأ بخروش متحمساً في إعلان مطالب أهالي قبيلة زهران , والتي كان من أهمها تخفيض مقدار الزكاة السنوية , غير أن الشريف غالي فاجأ بخروش بسؤالٍ ذكي قائلاً له : ما رأيك بأفراد قبيلتك ..؟ فأجابه بخروش ببديهته الأصيلة : زهران ونعم , عند ذلك بدأ الشريف غالب باستعراض الرسائل السرية التي قام بعض الأهالي بإرسالها ..
وبعد الانتهاء من قراءة الرسائل كان الشريف غالب يتوقع من بخروش بن علاس دفاعاً طويلاً لإثبات عكس تلك التُرهات , إلا أن بخروش بن علاس بدأ صامتاً لم تنطق شفتاه إلا بعبارة : أنت أعرف بي منهم .
وهناك أطبق الصمت قليلاً على الشريف غالب قبل أن يعود ليقول " رغم ذلك فأنا أجدد ثقتي بك , وأسألك أن تُحسن الأمر برعيتك "
ماذا حدث بعد ذلك ..؟
بعد عودة بخروش بن علاس إلى بلاد زهران بدأ بالتحضير للانتقام من معارضيه , فأمر عَبدَهُ الحبشي المسمى " نويري " بجمع أولئك القوم في باحة منزله المبسط .. وما أن أجتمع القوم حتى بدأ بخروش يخطب في جمعهم مفنداً تلك الترهات التي بعثوا بها إلى الشريف غالب , وبعد الانتهاء أخبرهم أن في نيته بناء حصن شامخ , وأنه أختار أولئك القوم لمساعدته في بناء قلعته التاريخية .
حيث قام بخروش بن علاس بإنزال عقابه التاريخي على أولئك المعارضين , فأمر بعضاً منهم بالإتيان بالحجارة على ظهور الجمال من وادي ليّة بالقرب من الطائف , والبعض الآخر أمره بالإتيان بالحجارة على ظهور الجمال من فج الغواة بالقرب من منطقة مكة المكرمة , والبعض الآخر وهم أشد القوم خيانة أمرهم بإحضار الحجارة على ظهور الجمال من مسافاتٍ بعيدة اتفقت بعض الروايات على أنها من مناطقٍ معروفة على خط المدينة المنورة .
يقول أحد شعراء المنطقة :
لا سلم الله بو مساعد فلا أبغي حُكم بخروش
يقول غدّه يانويري ولا أعجبني غداهم
أثار ذا كايه الغداء يقطعون الرأس بالسيف
وزاد ربي زوّل أمره ورى حُكم الضلالي

أعماله الحربية :
إذا قرأنا صحائف تاريخ الدولة السعودية الأولى , وجدنا أن كثيراً من معارك الثوار الجنوبيين دائماً ما تأتي في إشارات بسيطة لا تعطي انطباعاً كاملاً أو واضحاً عما كان يدور في الجنوب , ورغم تصفحي لكثيرٍ من كتابات النجديين في تلك الفترة الحرجة , لم أجد وصفاً دقيقاً أو اهتماماً واضحاً بثورة الجنوب , رغم أن تلك الثورة والمقاومة الجنوبية كانت باعتراف أولئك المؤرخين النجديين ( أحسن الله إليهم ) سبباً من أسباب تأخر انهيار الدولة السعودية الأولى .
والأعجب من ذلك أن قراءتك لصحائف المؤرخين الغربيين كأمثال جيرالد دو غوري وموريس تاميزية وجيوفاني فيناتي وجورج سادلير ترسم لك الملامح التفصيلة الكاملة لما كان يحدث في الجنوب , وأجد لمؤرخي الدولة السعودية الأولى من أبناء الإحساء ونجد , عذراً عندما أقول ربما كان في بُعد المسافة , ومشقة السفر عذرٌ مقنع , وسببٌ واضح لما حدث في كتابات تلك الفترة .
1-     معركة القنفذة :
تمهيد : قارئ التاريخ ..عندما أتحدث عن معركة القنفذة كفقرةٍ أولى من فقرات هذا المبحث , أجد في كتابة أستاذ الوثائق التاريخية السيد أحمد مرسي عباس عزاءً عندما بدأ كتابه الجميل عن تاريخ الدولة السعودية الأولى بقوله ( التاريخ لا ينشد إلا الحقيقة سواءً كانت من وثيقة أو من شهادة شاهد العيان ).
وأقول بأن ذلك القول الرائع كان بمثابة العزاء لان كثيراً من كتابات المؤرخين على اختلاف مشاربهم وأوطانهم تحدثوا عن دور البطل العسيري طامي بن شعيب في تلك المعركة , رغم أن شاهد العيان التاريخي , وبعض كتابات المنصفين أثبتت بطولة بخروش بن علاس في تلك المعركة الساحلية , فالكثير من أبناء غامد و زهران يسمعون إلى الآن بمقولة ( سَلّب القنفذة ) أو ( سَلّب البندر ) .. إضافةً إلى أن الوثيقة الدورية التي بعث بها القائد سيوم أوغلو إلى محمد علي باشا والموجودة بقصر عابدين بك بمصر تُثبت اشتراك بخروش بن علاس وقبائله على رأس جيش ( الوهابيين ) على حد تعبير الوثيقة .
إرهاصات المعركة : كان محمد علي باشا الوالي العثماني بمصر يطمع إلى الغنى والثراء لدولته العليّة , حيث تمكن ذلك الباشا الشقي من وضع مخططٍ شيطاني للقضاء على الدولة السعودية الأولى عن طريق احتلال الحجاز وبلاد غامد و زهران وأرض عسير .. لكن كيف تم ذلك ؟
بعد أن استطاع محمد علي باشا من الاستيلاء على الحجاز ( المدينة ومكة وجدة والطائف) بدأت أنظاره تتوجه شوقاً إلى أرض زهران وغامد و العسييريين , إلا أن قوة الثورة والعصيان في تلك الأراضي الشامخة , دفعت بمحمد علي باشا إلى التفكير بالاستيلاء على مناطق أخرى ستساعده مستقبلاً في حربه التوسعية , لذلك قرر محمد علي باشا توجيه عساكره الشيهانية إلى بلدة القنفذة للاستيلاء عليها في عام 1229هـ , 1814 م .
المعـركة : كانت بلدة القنفذة قبل استيلاء محمد علي باشا عليها , تخضع لحكم الثائر العسيري طامي بن شعيب , حيث حاميتهُ الصغيرة والتي تُقدّر بأربعمائة فارس تُسيّرُ أمر تلك البلدة وتراقب مجال المد البحري باعتبار بلدة القنفذة ميناءً بحرياً هاماً .
وقبل وصول قوات محمد علي باشا إلى القنفذة فَضَلَ البطل الثائر طامي بن شعيب الانسحاب من البلدة , تحت اعتبار أن قواته البسيطة لا تستطيع مقاومة قوات محمد علي باشا في تلك الفترة .
وبعد وصول القائدان حسن آغا , وسيوم أوغلو على رأس قواتهم المحمولة بحراً عن طريق ميناء جدة اكتملت صفوف الجيش الباشوي في بلدة القنفذة بجيشٍ لا يقل عن ألفٍ وخمسمائة جندي مدربين على مواجهة أشرس المخاطر وأشدها هولاً .
وهناك في بلدة القنفذة بدأ القائدان حسن آغا وسيوم أوغلو بتفقد تحصينات المدينة , فـ" أزداد" سرورهم انشراحاً بوجود أسوارٍ عالية تُحيط ببلدة القنفذة , ذلك لأن الجيوش الشعبية التي لا تمتلك البنادق لن تتمكن من اختراق تلك الأسوار الغليظة , غير أن المشكلة الوحيدة التي واجهها القائدان العثمانيان هي مصادر الماء , حيث أن مصادر الماء لبلدة القنفذة تبعُد ما يقارب ثلاث ساعات بالقرب من الجبال . وبعد تفكيرٍ طويل اتفق القائدان على بناء تحصينات محمية بعدّة أبراج متصلة من آبار الماء حتى أسوار بلدة القنفذة , ووضع القائدان بالقرب من مصادر المياه ما يقارب من مائة وخمسين جندياً من الأرناؤوط ( ميليشيات حربية , خطيرة التسليح , ذات أصولٍ مقدونية ).
وبعد استقرار القوات العثمانية في بلدة القنفذة بدأ الأمير العسيري طامي بن شعيب في الاتصال برفيق دربه الأمير بخروش بن علاس الزهراني , وذلك من أجل التخطيط سوياً للقضاء على تلك الحامية التركية المتواجدة في بلدة القنفذة .
وبعد مضي عشرين يوماً تحرك طامي بن شعيب على رأس قواته العسيرية قاصداً بلدة القنفذة , بينما كان بخروش بن علاس الزهراني وقبائله قد جدوا في المسير وفضلوا الاستقرار في أرضٍ ليست بالبعيدة عن بلدة المظيلف , وبعد تقابل الحليفين بخروش بن علاس و طامي بن شعيب تحركت قواتهم باتجاه بلدة القنفذة ليفاجئوا القوات الأرناؤوطية بالقرب من مصادر الماء بجيشٍ ضخم يُقارب العشرة الآلاف بطلٍ جنوبي .. لتبدأ المعركة ولتقاوم الميليشيات الأرناؤوطية رابعةً من نهار , ذلك لأن الجيش الشعبي بقيادة بخروش و طامي لا يمتلك الكثير من الأسلحة المتقدمة وهم في ذلك يستخدمون السلاح الأبيض الخفيف ( السيوف _ القنا ) وأنواعاً قليلة من البنادق البدائية .
وبعد أن دارت رحى المعركة بدأت القوات الأرناؤوطية بالتقهقر رويداً رويداً , ليفضل بعضُ منهم النجاة والهرب باتجاه بلدة القنفذة , وهناك وبسبب هرب القوات الأرناؤوطية انتشر الذعر سريعاً بين القوات المتبقية تحت إمرة حسن آغا وسيوم أوغلو , وفي محاولاتٍ يائسة بدأ القائدان العثمانيان في توجيه صفوف جيشهما , غير أن الوجل والوهل الذي أصاب الجيوش العثمانية جعل من أمر التوجيه والتنظيم أمراً مستحيلاً , وتحت نظرات الاضطراب وصيحات الفزع فضلت القوات العثمانية السلامة والنجاة بعد أن قَرُبَ الموت , وضاق العيش , واضمحلت رباطة الجأش .. فانطلقت أقدام القوات العثمانية تسابق الريح باتجاه مياه البحر في محاولةٍ يائسة للصعود على أسطح السفن الراسية في الميناء .
أما البطلان الجنوبيان بخروش بن علاس و طامي بن شعيب فقد ساقا بجيشهما نصال الرماح , وصافحا بشجاعتهما بيض الصّفاح , وبعد وصولهما إلى داخل البلدة تمكنوا من القضاء على عددٍ من الجنود العثمانيين والخدم التابعين لهم .
وأترك للكاتب التاريخي جيرالد دو غوري إكمال صورة ما حدث .. عندما قال
( وقد ذُبح كثيرٌ منهم " يقصد بذلك القوات العثمانية " داخل الماء وبالقرب من السفن )
وأكمل رسم ذلك المنظر الرهيب عندما قال ( سبحوا خلفهم والسيوف بين أسنانهم وحاربوهم داخل الماء )
ثم أخبر عن أحد القواد الأتراك قائلاً ( وقد نجا القائد التركي بنفسه , وأصبح على ظهر السفينة آمراً للتو أن تُرفع الأشرعة استعداداً للانطلاق السريع تاركاً للموت كل من لم يستطع الصعود إلى السفينة ).
لم يكتفي جيرالد دو غوري بأحاديث تلك الكارثة المفزعة بل أخبرنا المزيد عن تلك الحامية المشئومة فقال
( كانت السفن لا تحتوي على كثيرٍ من الماء والزاد وقد توفي كثيرٌ من البحارة والجنود في هذه المسافة القصيرة بين القنفذة وجدة ) .
أما عن الغنائم التي وقعت في أيدي بخروش و طامي فقد قُدرت بالكثير من الذهب والخيول والجمال , والكثير الكثير من البنادق والذخائر , ولذلك أسمى أهل المنطقة تلك المعركة بالسلّب

2-     معركة قريش الحسن:
ارهصات المعركة : بعد الانتصار الكبير لمحاربي الدولة السعودية الأولى من أبناء الجنوب , والمتمثل في انتصار بخروش بن علاس و طامي بن شعيب على القوات العثمانية في سواحل بلدة القنفذة , بدأ محمد علي باشا حانقاً وغاضباً على شخص بخروش بن علاس وقبائله , ولذلك بدأ محمد علي باشا في التفكير جدياً للقضاء على بخروش وتأديب قبائله , خصوصاً وأن بخروش بدأ في تغيير خطط هجومه على القوات التركية , واستخدم في طريقة حربه الجديدة طرائق حرب العصابات , حيث كان يُغيرُ كثيراً على خط الإمدادات العثمانية , ويضرب الأهداف المتحركة والساكنة ذات الدفاعات المتماسكة و التحصينات القوية .
لذلك كله كان كثيراً ما يكتب محمد علي باشا لرؤساء جنوده بضرورة الانتهاء من بخروش بن علاس , وفي تلك المراسلات المكتوبة نَجِدُ محمد علي باشا يصف بخروش بعدّة أوصاف منها ( الكافر – الملعون – الشقي – المفسد – المحرش ) ... ولا أبالغ إذا قلت " ورب المتقدمين والمتأخرين " ما كان استخدام محمد علي باشا لتلك الأوصاف إلا دلالة واضحة على شدّة كربه وضيق نفسه من صمود البطل الثائر بخروش بن علاس .
الاستعداد للمعركة : من أجل الانتهاء من بخروش قام محمد علي باشا بتجهيز السلاح والعدّة الحربية اللازمة , إضافةً إلى توفير الكمية المناسبة من الغذاء والدواء والخيام , واستأجر لذلك عدداً كبيراً من الجمال والخيول , ووضع عشرين ألف مقاتل من الأتراك والمغاربة والمصريين تحت إمرة عابدين بك رجل الحرب الأول وضابط الرتب العليا في الجيش العثماني .
أما البطل الثائر بخروش بن علاس فقد كانت تجهيزاته على نحوٍ من البساطة لا يمكن تصديقه , فقد عمد الرجل إلى عقد ألوية قبيلة زهران , وجمع أعدادهم التي لا تتجاوز الثلاثة آلاف مقاتل في وادي قريش الحسن , وأظهر بخروش استعداداً صامداً للحصار والمقاومة فبدأ بتجهيز عدة الحصار الأولية من الماء والغذاء والسلاح , وعمل على تدريب مقاتليه على طريقة حرب الدفاع والهجوم .
وعندما تنامى إلى الإمام عبدا لله بن سعود ( آخر حكام الدولة السعودية الأولى ) خبر استعدادات محمد علي باشا للقضاء على بخروش , أرسل أوامره إلى حلفائه في عسير بسرعة الوقوف مع بخروش لصد أخطار هذه الحملة الجائحة , فهب من عسير الثائر طامي بن شعيب مع أفراد قومه من العسيريين ورجال ألمع , وتوافد الأمير محمد بن دهمان الشهري بأفراد قومه من رجال الحجر , وشارك الشيخ شعلان أمير الفزع و شمران وبعض من قومه أيضاً لصد الزحف التركي ..
وهناك في وادي قريش الحسن بدأ بخروش في تنظيم الصفوف , فقام بتقسيم الجيش الجنوبي المشترك إلى ثلاثة فرق ..
الفرقة الأولى : ومهمتها القتال من داخل القلاع والحصون المنتشرة بوادي قريش الحسن , وذلك من أجل تكوين نقطة " حرب " لإقناع الجيش التركي بأن النصر لن يأتي سوى بالقضاء على أولئك المتحصنين , إضافةً إلى أن بخروش بن علاس كان يهدف أيضاً بتلك الفكرة إلى إشغال الجيش العثماني الكبير بمعارك جانبية , ومحاولة تقسيم صفوفهم إلى عدة أقسام .
الفرقة الثانية : وهي فرقة الهجوم , أو فكّ الكماشة , وتلك الفرقة تتخذ من أعالي جبال وادي قريش مقراً خفياً لتواجدها , حيث تعمل على مبدأ الخطة الحربية المعروفة بالهجوم السريع والمباغت على الخصم , ويبدأ عمل تلك الفرقة مع بدء معارك القوات العثمانية مع جنود الثورة الجنوبيين المتحصنين في القلاع والحصون .
الفرقة الثالثة : وهذه الفرقة هي الأقل عدداً والأكثر خطراً , حيث تعتمد على مبدأ الحرب القائل ( أقتل وأهرب ) ومهمة تلك الفرقة هي محاولة ضرب الإمدادات الخلفية للقوات العثمانية قبل وصولها إلى ساحة المعركة .
قلعة بخروش بن علاس ( التحصينات الدفاعية ) :
قلعةٌ تجاوز عُمرها الحالي مائتين وسبع سنوات (207س ) مبنيةٌ بالحجارة , وتتكون تلك القلعة الشامخة من أربع قلاعٍ دائرية ( شرق - غرب - شمال - جنوب ) ومن جوانب تلك القلاع يمتد سورٌ متين من الحجارة , وتشكل تلك القلعة الأثرية شكلاً شبيهاً بقصر المصمك في ضواحي الدرعية , غير أن البناء الحديث والمجاور لتلك القلعة ساهم بشكلٍ كبير في انهدام الجهة الشمالية , وساهم ذلك البناء الحديث (خصوصاً وأن فرع وزارة المحافظة على التراث بمنطقة الباحة يغط في نومٍ عميق) في ازالت القلعتين الدائريتين الموجودة في تلك الجهة .
والقلعة بتعبيرٍ شامل " قلعة حرب" على ابراجها آثار قذائف المدافع العثمانية , ويتوسطها بناءٌ عجيبٌ ومترابط للمنازل والخنادق بل وحتى الأبراج الصغيرة لتبادل اطلاق النيران , وفي تقديري الشخصي أن القلعة تتسع لأكثر من ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف مقاتل ( 3000- 4000 مقاتل ) , حيث ترى في أردان تلك القلعة أماكناً منظمة لكل شيء بدأ من طريقة قتال المدافعين وانتهاءً بأماكن حفظ الطعام والماشية .
القلعة الغربية من الجهة الجنوبية , وفي الصورة ارتفاعٌ نسبي لمكان بناء القلعة , حيث بُنيّت كما هي عادت أهل المنطقة في مكانٍ مرتفع يُسمى بالريع أو المقرى وتلك التقنية القديمة في البناء وسيلةٌ ناجحة للتقليل من آثار قذائف المدفعية .
القلعة الشرقية من الجهة الجنوبية , وفي الصورة كما نرى بعض الأبراج الصغيرة لتبادل اطلاق النيران , اضافةً إلى أن تلك القلعة الحربية المستديرة تستخدم كبرجٍ من أبراج المراقبة .
الحصون أو الأبراج الدائرية قليلةٌ جداً في منطقة الباحة , حيث البناء المربع هو الغالب في حصون المنطقة , أما هنا في قلعة الأمير بخروش فالحصون دائرية الشكل لتجنب آثار المدفعية , وكما يظهر في الصورة فالبرج المستدير أكبر طولاً , لولا أن عوامل الدهر كانت قاسيةً على قامته المنصوبة .
لمحةٌ عن الأجزاء الداخلية للقلعة , حيث الدقة في التنظيم والبناء , واذا نظرنا الى ذلك البيت المشيد " قريباً " باللون الأبيض في منتصف المنازل رأينا أعجوبةً حية على كمال البناء , وأعتقد بأن صاحب ذلك المنزل الكبير "بعض الشيء" كان ذا شأنٍ و رئاسة .
بعضٌ من ممرات القلعة , المسماه شعبياً بـ " المساريب " , ويظهر فيها مدى وسع باحات القلعة حيث بإمكان الزائر الأنتقال في خلالها من مكانٍ إلى آخر داخل أجزاء القلعة .
رغم تعاهد الأيام والسنين على تلك القوى الصامدة , إلا أنها ما زالت ذات شأن واهتمام لكل الناظرين .
معركة قريش الحسن : في شهر شوال من عام 1229هـ سارت العساكر الشيهانية العثمانية من مكة والطائف باتجاه بخروش , لتبدأ المعركة التي وصفها كثيرٌ من كُتاب التاريخ بالمعركة الكبيرة , حيث قامت القوات العثمانية في بداية الأمر بضرب حصارٍ شديد على القلاع والحصون , وقامت بتبادل إطلاق النيران الكثيفة مع الجنود المتحصنين , حتى غربت شمس ذلك النهار على ليلٍ طويل مرهق من القتال المتفرق بين الجنود المتحصنين والقوات العثمانية .
وفي الصباح الباكر لليوم الثاني كانت الفرقة التي اتخذت من أعالي الجبال مركزً خفياً لتواجدها , تنهال على رؤوس القوات العثمانية بنيران كـ "كيزان " برد الثريا , مما جعل القوات العثمانية تتحول من مركز الهجوم إلى مركز الدفاع , وذلك التراجع الدفاعي للقوات العثمانية كان سبيلاً مساعداً لخروج القوات الجنوبية المتحصنة داخل الحصون والقلاع , ولقد أدى ذلك الخروج للقوات الجنوبية إلى تكوين فك كماشة أخرى على صفوف الجيش العثماني .
وبعد ساعاتٍ من الالتحام الدموي في ساحة المعركة بدأ الخوف والتقهقر واضحاً على صفوف الجيش العثماني , الذي سقط منه في ساعات معدودة ما يقارب ألف جندي .. وفي تلك اللحظات الحرجة لم يجد عابدين بك بُداً من الانسحاب , غير أنه وقبل أن يُصدر عابدين بك أوامره بالانسحاب كانت الجيوش العثمانية تولي الأدبار هاربةً في هزيمةٍ وصفها كثيرٌ من كتاب تاريخ الدولة السعودية الأولى بأنها ( شنعـاء ) .
كتب صلاح الدين المختار قائلاً ( ولولا وفرة الخيل لدى القوات المعتدية " يقصد القوات العثمانية " لما سلم من رجالها أحد )
ورغم ذلك كله لم يقتنع رجل الحرب الأول بخروش بن علاس بهزيمة العثمانيين , بل بدأ بمطاردة فلولهم المهزومة , وقتل منهم خلقاً قبل أن تصل القوات العثمانية إلى أسوار مدينة الطائف , حيث قام بخروش بن علاس بضرب حصار شديد على أسوارها , وهناك أرسل بخروش بن علاس الزهراني رسالته التاريخية إلى محمد علي باشا والتي قال فيها ..
( إذا كانت هذه جنودك , فخيرٌ لك أن تعود إلى حرمك , والتمتعْ بمنظر مياه النيل , و إلا فأحضر رجالاً غيرهم ) .

3-     معركة ناصرة بلحارث :
في أواخر شهر شوال من عام 1229هـ نما إلى سمع الأمير بخروش بن علاس تقدم فرقةٍ كبيرة من الجيش العثماني إلى ناصرة بلحارث , حيث قامت تلك الفرقة العثمانية ببناء الثكنات العسكرية , وجعلت من بلدة الناصرة ببلحارث حصنا منيعاً ومركزاً عسكرياً تستطيع من خلاله القوات العثمانية الهجوم على بلاد زهران وغامد و العسييريين في أي وقتٍ شاءت , بل والأهم من ذلك أن القوات العثمانية أصبح بمقدورها الانسحاب والرجوع إلى ذلك الحصن المنيع بدلاً من الانسحاب إلى بلدة الطائف البعيدة بعض الشيء .
عند ذلك أحس بخروش بن علاس بالخطر من وجود ذلك الحصن العسكري , فقام بجمع ألوية مقاتلي قبيلة زهران وغامد ونظّم صفوفهم الشعبية , استعداداً للرحيل بهم إلى بلدة الناصرة .
وهناك بالقرب من حصن الناصرة ببلحارث قام بخروش بتوزيع مقاتليه إلى عدّة فُرق , حيث كان الهدف من ذلك التوزيع المنظم القضاء على مكامن قوة الحامية التركية . خصوصاً وأن بخروش قد أدرك بحنكته الحربية المعروفة أن أفضل طريقةٍ للقتال هي طريقة الهجوم السريع والمباغت , بعد أن أخبر مقاتليه .. بأن حرب الاستنزاف وتبادل النيران لا تخدم وجودهم المكشوف خارج أسوار حصن الناصرة.
وفي ساعة الصفر المحددة تقدم بخروش بن علاس بمقاتليه في تنظيمٍ حربي دقيق إلى أسوار الحصن التركي , حيث انقسم جيش بخروش البسيط إلى عددٍ من الفرق المعدة مسبقاً , وذلك من أجل زيادة عنصر المباغتة , ومن أجل إحداث ثغرات كبيرة في خطوط الدفاع الأولى , وأيضاً لتسهيل عمل بعض الفرق الصغيرة التي كانت خطة عملها محددةً بمحاولة تجاوز الأسوار وجذب الأتراك إلى الانشغال بساحات الحصن الداخلية للقيام بعملية " تطهير الساحات من العنصر الدخيل " ..
كانت خطة بخروش بن علاس الحربية محكمةً لدرجة أن الحصن التركي سقط سريعاً في أيدي مقاتلي غامد و زهران , واستطاع بخروش بمن معه من المقاتلين القضاء على فلول الحامية العثمانية المختبئة داخل جنبات الحصن , بعد أن تم احراق وتهديم أجزاءٍ كبيرة من الحصن ..
وللتاريخ فهذه هي المرة الثالثة التي يتمكن فيها بخروش بن علاس الزهراني من هزيمة العثمانيين , خصوصاً وأنه تمكن أيضاً من الاستيلاء على جميع ممتلكات الحامية التركية من البنادق والذخائر والخيول بل وحتى البزّات العسكرية .

4- فزع الموت:
بعد الهجوم المباغت والسريع لبخروش بن علاس على الحامية التركية المتواجدة ببلدة ناصرة بلحارث , بدأ محمد علي باشا محبطاً وحانقاً على بخروش , خصوصاً وأن ذلك الثائر الجنوبي " وللمرة الثالثة " قد أدب القوات العثمانية وأذاقها ويلات الحروب في معارك لم تفصل بينها سوى بضعة أسابيعٍ قليلة .
لذلك كله تقدم عابدين بك بطلبٍ إلى محمد علي باشا يسأله فيه عن إمكانية السماح له بمهاجمة بخروش بن علاس وقبائله مرةً أخرى , وإذا كنتم تذكرون أيها القراء الكرام فـ " عابدين بك " هو القائد العثماني المنهزم في معركة الأطاولة , وهو بذلك الطلب الانتحاري يطلب رضا محمد علي باشا في المقام العام , إضافةً إلى أن الرجل يبحث عن الانتقام والثأر الشخصي لهزيمته السابقة ..

وأمام ذلك الطلب الكريم من عابدين بك لم يكن لمحمد علي باشا بُداً من الموافقة الفورية على الهجوم , بل أمر محمد علي باشا قائده عابدين بك أن يختار لجيشه أفضل الجنود العثمانيين , وأن لا يبخل على جيشه بأفضل أنواع الذخائر والخيول , وأن يعمل على وضع خطة حربية متقنة للقضاء على بخروش.
وأمام تلك التسهيلات الحربية فَضّلَ عابدين بك اختيار جند جيشه من فئة الجند الأرناؤوطية وهم كما أسلفت سابقاً يُعدون من أخطر فئات الجيش العثماني لقوة تسليحهم , ولخبرتهم الطويلة في حروب البلقان ومقدونيا .. إضافةً إلى أن هؤلاء الجنود الذين تم الاستعانة بهم هذه المرة يسمّون في عُرف مقاتلي أوربا بمقاتلي الجبال حيث هم الأفضل والأقوى بين محاربي أوروبا .
وفي شهر ذو القعدة من عام 1229هـ سار عابدين بك بجيشه المكوّن من خمسة آلاف مقاتل أرناؤوطي إلى بلاد زهران , حيث استطاع الجيش الأرناؤوطي احتلال مناطقٍ صغيرة في الطرف الشمالي لقبيلة زهران , وقام عابدين بك بإحراق مسافة أربعين ميلاً من الأرض الخضراء , وذلك من أجل تكوين صحراء صناعية بين قواته وقوات بخروش بن علاس لمنع الهجمات اليومية ولإقناع مقاتلي زهران بأن لا فائدة من المقاومة .
لكن ما الذي حدث لبخروش بن علاس ؟
كان بخروش يعلم تمام الثقة بحنكته الحربية أن لا طاقة له ولا لمقاتليه في مقاومة الجيش العثماني وجهاً لوجه , وما ذلك إلا للفرق الشاسع بين تسليح الفريقين , فعمد إلى الخطة القائلة ( تظاهر بالهزيمة , وأقنع خصمك بالنصر ) .
وفي صبيحة يومٍ بارد من أيام شهر ذي القعدة كان الجند الأرناؤوطي يغط في نومٍ عميق , بينما بخروش ومقاتليه يجدّون السير ليلاً لمفاجئة القوات الأوربية في " قِرّة " الصباح الأولى .. حيث تسلل بخروش بن علاس ومقاتليه في خفاءٍ إلى وسط المعسكر العثماني , وفجأةً وقبل أن تطلق المزامير الحربية أصواتها المكلومة , بدأ بخروش ورفاقه في تدمير كل شيء .. يُخبر الكاتب جيرالد دو غوري عن تلك المفاجأة الدموية قائلاً ( هرب كل الجنود إلى خيولهم ) .. ( ولحق بهم بخروش لمدة يومين ) .. ثم أضاف قائلاً ( وهكذا فإن الأتراك قد أضاعوا كل خيامهم مرةً أخرى , وكل معداتهم الحربية الثقيلة , وحوائجهم الشخصية وتموينهم ) ثم أخبر عن عدد القتلى من الجند الأرناؤوطي العثماني فقال ( وقتل في هذه الواقعة ثمانمائة جندي تركي من المشاة وثمانيين فارساً ) .. أما عن عدد القتلى من صفوف قبيلة زهران فقال ( ستين من الوهابيين ) ..
ثم أخبر جيرالد دو غوري عن حالة الجيش العثماني بعد هروبه إلى مدينة الطائف قائلاً ( كان الجيش يرتجف من الخوف بين أسوار المدينة ) .

5- بداية النهاية:
بعد تلك الهزائم المفجعة لجنود محمد علي باشا والي دولة بني عثمان بمصر , بدأ محمد علي باشا بالتفكير جدياً في قيادة القوات العثمانية بنفسه لإنهاء تلك البطولات التاريخية للمجاهدين الشجعان من أبناء الجنوب , وللقضاء كُلياً ونهائياً على الدولة السعودية الأولى .
ولأجل ذلك كله وبعد الهزيمة النكراء التي حظي بها عابدين بك بدأ محمد علي باشا في حشد الدعم حينما استقدم الفرسان الليبيين البدو مع خيولهم وجمالهم المتدربة على أشد المصاعب , واشترى محمد علي باشا من قوافل حجيج الشام ثلاثة آلاف جمل , بالإضافة إلى أن حجيج محمد علي باشا القادم من مصر قد أحضر بصحبته ألفان وخمسمائة جمل بالإضافة إلى ألف فارس , واستطاع طوسون ابن محمد علي باشا شراء ألف جمل من قوافل حجيجٍ أخرى .
لم تكن تلك التجهيزات التي بدأ محمد علي باشا في جمعها هي الوحيدة , فهو الى جانب ذلك لديه آلاف الجمال والخيول وعشرات الآلاف من الجنود المنتشرين في المدينة و مكة وجدة والطائف بالإضافة إلى قبيلة عتيبة في الجنوب .
كان الإمام فيصل بن سعود على الجانب الآخر قد بدأ في تجهيز حُلفائه للمعركة الأهم , فأرسل إلى حلفاء الجنوب وعلى رأسهم طامي بن شعيب العسيري و بخروش بن علاس الزهراني ومحمد بن دهمان الشهري وأمير بيشة و قحطان فتوافد القوم للقاء في المنطقة المعروفة اليوم بـ " غزايل " على طريق الطائف في أول محرم عام 1230هـ .
وفي اليوم الموافق 27 محرم عام 1230هـ أمر محمد علي باشا كل جنوده وكل خيله وجماله التي جمعها , بالإضافة إلى جميع قواده في الطائف حسن باشا وعابدين بك ومحمود بك وأحمد بونابرت وطوبور أوغلو والشريف راجح بالتقدم إلى منطقة ( بسل ) بالقرب من الطائف .
وتحرك الإمام فيصل بن سعود على رأس خمسة وعشرين ألف مقاتل , وخمسة الآلاف جمل , وأمرّ على كل قبيلة من القبائل المشاركة شيخها وأميرها الذي تُدين له بالحكم .
وفي اليوم الأول من المعركة الشرسة بدأ القتال الدموي من جانب قوات الإمام فيصل بن سعود وذلك من أجل إضعاف الجانب العثماني , حيث تمكن الجيش السعودي من إرغام الجند العثماني على التراجع والتقهقر , وما هي إلا جولاتٌ قلائل حتى سيطر السعوديون على أرض المعركة , بعد أن تمكنوا من قتل عددٍ كبير من القوات التركية المصرية ( يُقدّر بخمسائة جندي عثماني ) .
وفي اليوم الثاني 28 محرم عام 1230هـ حضر محمد علي باشا بنفسه إلى ساحة المعركة , وأعاد ترتيب صفوف مقاتليه , و فكر طويلاً في خطة حربية محكمة لمحاولة استدراج القوات السعودية للنزول عن المرتفعات الجبلية , فقام بتوجيه أوامره إلى جنوده بالانسحاب والتراجع , ليس للهرب بل من أجل التمويه والخداع , وعندما رأى بخروش بن علاس انسحاب القوات العثمانية تقدم سريعاً بشجاعته المعروفة إلى سهل بسل تاركاً تحصينه الجبلي , وذلك من أجل إثخان الطعن والقتل في قوات محمد علي باشا . وما هي إلا سويعات من نهار حتى أمر محمد علي باشا جنوده بالتقدم , ونصب المدافع مرةً أخرى لضرب القوات السعودية التي كانت في مرمى نيران المدفعية خصوصاً وأنها في سهلٍ منبسط , وعمد محمد علي باشا إلى الضغط بكل ما أوتي من عتاد الحرب على قوات بخروش بن علاس الزهراني الذي قـُتل فرسه في ميدان المعركة , فخاطر بنفسه حتى تمكن من الوصول إلى أحد الجنود العثمانيين فقتله وأمتطى فرسه بعد أن تمكن من قتل ضابطين من ضباط جيش محمد علي باشا .
وهناك في وادي بسل ذاقت القوات السعودية مرارة الهزيمة على يد محمد علي باشا , وتفرقت جموعهم , بعد أن عَقَلَ مئات الأبطال الجنوبيين أقدامهم لمواجهة الجيش العثماني تحت رحمة المدافع وسنابك الخيول , أما المتبقين منهم فقد أخذوا كأسرى حرب , ليُمثل بهم محمد علي باشا عندما أعدم خمسين شجاعاً منهم بالخازوق على أبواب مكة وجدة احتفالاً بالنصر .

6- نهاية بطل
بعد هزيمة القوات السعودية في معركة بسل , بدأ محمد علي باشا في تجهيز العدة للقضاء على فلول المقاومة الشعبية في جنوب الجزيرة العربية , حيث تمكن من الاستيلاء على بلدة تربة , وواصل الزحف إلى بلدة بيشه فأطاعه أهلها , ومنها إلى بلدة تباله وبقية البلدان الأخرى كـ "رنيه " وشهران و زهران وغامد وانتهاءً بعسير كآخر معقلٍ من معاقل مناصري الدولة السعودية الأولى .
في يوم التاسع من ربيع الثاني من عام 1230هـ , أرسل محمد علي باشا حملتين للقضاء على بخروش بن علاس , الأولى : كانت من بلدة رنيه , وهدفها مباغتة بخروش بن علاس وقومه من الشرق حيث الأرض المنبسطة , والحملة الثانية : بقيادة محو بك , وهدفها مباغتة بخروش وقومه عن طريق النزول من الجبال , وعمل ما يُسمى في العُرف العسكري بـ( كماشة الهجوم ) .
أما عن الجانب الآخر فقد قام بخروش بن علاس بتحصين مواقعه الدفاعية في قرية العدية بقريش الحسن من أجل ذلك اللقاء الأخير , و قام أيضاً بعمل بعض التشكيلات الدفاعية بين أبناء قومه الذين انقسموا إلى عددٍ من المجموعات , منها بعض المجموعات التي كان عملها تبادل إطلاق النيران من داخل الحصون والأبراج , والبعض الآخر كان عمله التسلل ليلاً في مجموعاتٍ صغيرة للقيام ببعض الغزوات الصغير عملاً بمبدأ الكر والفر .
كانت تلك المعركة الأخيرة شرسةً لدرجة أنها استمرت ست ليالي دون توقف , غير أن أمراً جديداً قد حصل في موازين القوى الحربية لقوات محو بك , فقد تمكن ذلك القائد من نصب المدافع الحربية على الجبال المطلة على قلعة بخروش , وتحت القصف المدفعي و انفجارات براميل البارود استطاع محو بك اقتحام القلعة , بعد أن دمر بعض أجزاءها الخارجية, وحينها تمكن العثمانيون من قتل عددٍ كبير من أبناء قبيلة زهران , واستطاعوا أسر عددٍ آخر لا يستهان به .
هنا نتوقف لنقول : أثناء تلك الحرب وبعدها حدثت خيانةٌ كبرى , تعددت فيها الأقوال والأهواء , ولكن يبقى السؤال التاريخي الغامض و المهم : كيف قُبض على بخروش بن علاس ؟ و ممن كانت الخيانة ... ؟

أيها القراء الكرام ..
لإجابة هذا السؤال التاريخي نطرح لكم الآراء والأقوال التي ذهب إليها أرباب التاريخ :
القول الأول :
أنه وأثناء القصف المدفعي و انفجارات براميل البارود حدثت الخيانة الكبرى , عندما فضل عددٌ قليل من مقاتلي بخروش طلب النجاة وطلب الدنيا , فقاموا بالاتصال سراً بمحو بك طلباً للعفو والنجاة , فطلب منهم فتح أبواب القلعة والقبض على بخروش وتسليمه إليه .
ودليل ذلك القول هي الرسالة الشهيرة التي بعث بها محمد علي باشا إلى الوالي العثماني في اسطنبول :
الرسالة بتاريخ 21 ربيع الثاني عام 1230هـ
( استمر زحفنا على ديار بخروش رئيس قبيلة زهران , وكان أميرهم في القلعة مع بضعة آلاف من رجاله , حيث بدوا وكأنهم حشرات , وحاصرنا القلعة لمدة أسبوع ثم قمنا ببعض التفجيرات . وعندما كنّا على وشك مهاجمته في قلعته جاء إلينا رجاله يطلبون السلم . فمنحناهم العفو والسلم على شرط أن يقبضوا على بخروش ويحضروه لنا ) .

القول الثاني :
بعد طول الحصار , وبعد تمكن القوات العثمانية من اقتحام القلعة , استطاع بخروش بن علاس النجاة مع عددٍ قليل من مقاتليه , حيث تمكن بخروش من السير إلى أرض زهران الغربية , وقام بالتخفي عدة أيام متنقلاً بين قبائل شعف زهران , ومن هناك حاول بخروش بن علاس القيام بتجهيز قواته مرةً أخرى لمواصلة المقاومة والثورة .
غير أن محو بك وبعد دخوله القلعة تمكن من أسر عددٍ لا يستهان به من مقاتلي زهران , وخصوصاً من قوم بخروش بن علاس ( قبيلة قريش ) , حيث قام محو بك بإرسال أولئك الأسرى إلى محمد علي باشا في قاعدته ببلدة القوز " قوز بلعير " , وهناك من بلدة القوز أرسل محمد علي باشا رسالته المُتفق على صحتها شعبياً إلى بخروش بن علاس , وفيها يُخيّرهُ بين افتداء الأسرى من أبناء قومه وذلك بمبايعة محمد علي باشا , أو ترحيل أولئك الأسرى إلى الأستانة العثمانية بمصر .

وأمام تلك الخيارات الصعبة فضل المجاهد الشيخ بخروش بن علاس الزهراني افتداء الأسرى من أبناء قومه بمبايعة محمد علي باشا, حيث سار بخروش بن علاس بنفسه إلى قاعدة محمد علي باشا في بلدة القوز , غير أن طبع الخيانة والغدر لدى محمد علي باشا جعله ينكث بوعده عندما قرر القبض على بخروش بن علاس وإرساله بمرافقة الأسرى إلى مصر .
الرأي في القولين .. وهذا الرأي لا يتعدى كونه رأياً شخصياً للعبد الفقير إلى الله عبدالله الجابري , ولا ألزم به أحداً , ولا أتمنى الدفاع عنه بأي حال من الأحوال .

أرى القول الثاني أقرب إلى الحقيقة , فـ"محمد علي باشا" ذلك الرجل الألباني لا أستغرب منه الخيانة , فقد روت كثيرٌ من كُتب التاريخ خبر المعاهدة التي كانت بينه وبين الشريف غالب , تلك المعاهدة التي حلف على إمضائها محمد علي باشا على كتاب الله المقدس بين جنبات الحرم الشريف بمكة المكرمة وأمام حشدٍ غفير من معتمري البيت وزواره . لكنّ هو طبع الخيانة التي دفعت بمحمد علي باشا إلى نقض ذلك العهد قبل مضيء شهرٍ على بدءه , عندما أرسل ابنه طوسون إلى منزل الشريف غالب للقبض عليه غدراً , بعد منتصف الليل .
أما عن أمر تلك الرسالة التي بعث بها محمد علي باشا إلى السلطان العثماني , فيجب علينا ألا نؤمن بكل شيء , ويعجبني في هذا السياق قول أستاذ الوثائق التاريخية السيد أحمد مرسي عباس عندما قال ( هل الوثائق التي خلفها صُناع الأحداث التاريخية تعتبر أوثق المصادر للتاريخ , أم أن الكتابات التي حرروها معاصرو الأحداث التاريخية عمّا شاهدوه ولمسوه بل وأقول وعانوه أكثر صدقاً وأمانة من الوثائق التاريخية .. فمثلاً إذا كانت الوثائق تقول أن حاكماً من الحكام أصدر مرسوماً بتخفيض أعباء الضرائب عن رعيته , وسجل الكُتّاب المعاصرون خلاف ذلك – فهل يأخذ كاتب التاريخ وثيقة الحاكم أي المرسوم الذي أصدره بتخفيف الضرائب ويصدق أن الحاكم كان رحيماً برعيته – أم أنه يأخذ كتابة الشاهد الذي عانى بنفسه من تطبيق المرسوم ؟
لاشك أن كتابة الشاهد أكثر صدقاً من الوثيقة – وتعتبر الوثيقة هنا دلالة على خداع الحاكم للشعب ) انتهى .

جسدهُ في بلدة القنفذة , ورأسه يطاول القاهرة واسطنبول:
بعد أن تمكن محمد علي باشا من القبض الفارس المجاهد بخروش بن علاس الزهراني , تمكن أيضاً من القبض على رفيق دربه البطل المجاهد طامي بن شعيب العسيري الذي هو الآخر عانى من سهام الغدر , عندما دفع به صِهرهُ إلى محمد علي باشا ..
كتب المؤلف التاريخي جيرالد دو غوري خبر أولئك الأبطال عندما قال ( نص حرفي ) :
( وفي القنفذة مكث الباشا " يقصد محمد علي " عدة أيام , وقد وضع الأسيرين في خيمةٍ قريبةٍ من خيمته , وكان يتوجه إليه الباشا أحياناً بالحديث للمزاح والتسلية " يقصد البطل طامي بن شعيب " كما يتلهى النمر بفريسته قبل أن يلتقطه ويلتهمه . ولكن تصرفات طامي الوقورة قد بدّلت هذه الشخصية التركية المرعبة . وقد وعده محمد علي باشا أن يكتب إلى السلطان ما هو في مصلحته وسيطلب منه أن يخوله العيش في المنفى في روميليا .
وكان طامي ذو قوةٍ فطرية طبيعية , وكان قصير القامة ذا لحيةٍ طويلة بيضاء , وكانت نظراته ثاقبة , وكان في العموم متهكماً ولكنه مؤدباً تجاه الباشا التركي . بينما كان بخروش على عكسه تماماً فكان صامتاً عبوساً , وكان مقتنعاً أن محمد علي باشا لن يصفح عنه , وحتى أن الباشة لم يكن يرغب برؤيته أصلاً .
وفي أحد الليالي وقد وجد حراسه نائمين استطاع بخروش أن يلتقط خنجراً ويحاول فك قيوده , ثم هرب من المعسكر فلحقوا به فاستطاع قتل اثنين وجرح ثالث قبل أن يصلوا إليه والإمساك به , فسأله محمد علي في اليوم التالي بأي حقٍٍ قَتَلَ جنوده فأجابه بخروش : عندما أكون حُراً وبدون قيود فأنا أفعل ما أريد .
فقال له الباشا : وأنا سأفعل مثلك , مثلما أريد .
ولكي يدرب رجاله الأتراك ويُرضي رغبته بالثأر من بخروش جعله يجلس بين الجنود المحيطين به من كل جانب وأعطاهم تعليماته بجرح السجين بسيوفهم برقّة , وذلك حتى يُطيل فترة تعذيبه , وظلوا عاكفين عليه هكذا إلى أن هلك دون أن يشتكي . ثم قطع رأسه وأرسل بصحبة طامي إلى القاهرة ثم بعد ذلك إلى اسطنبول , و طامي وصل إلى اسطنبول فحزّت رقبته في الحال ) انتهى .

وقد كتب موريس تاميزيه في كتابه رحلةٌ في بلاد العرب قائلاً : وفي مصر طافوا بطامي على جملٍ بعد أن وضعوا رأسه إلى الخلف ومؤخرته إلى مقدمة الجمل , ورأس بخروش في كيسٍ يتدلى بجانبه ) .

انتهى بحمد الله شرح سيرة الأمير بخروش بن علاس الزهراني
...............................................................


قال ابن خُرمان :

هنا نورد بعض المراجع والمصادر التي يمكن العودة إليها للمزيد من المعلومات حول هذا القائد البطل رحمه الله تعالى ..
1)   إبراهيم محمد الزيد , الرئاسة في قبيلة زهران منذ القرن 13 الهجري دراسة وثائقية , عالم الكتب المجلد 14 العدد 4 محرم-صفر 1414 ه / يوليو – اغسطس 1993 م .
2)   عثمان بن عبدالله بن بشر , عنوان المجد في تاريخ نجد 1210 – 1290 ه , مكتبة الملك عبدالعزيز العامة , الرياض 1423 ه – 2002 م .
3)   علي بن صالح السلوك الزهراني , المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية ( بلاد غامد وزهران ) , الطبعة الأولى 1391 هـ / 1971 م .
4)   علي بن صالح السلوك الزهراني , وثائق من التاريخ .
5)   علي بن محمد بن معيض بن سدران الزهراني , بطون قبيلة زهران ( شيوخها , أسواقها , شداتها) قسم السراة , مطابع الشاطيء الحديثة بالدمام , الطبعة الأولى 1428هـ .
6)   محمد مسفر حسين الزهراني , بلاد زهران في ماضيها وحاضرها , الطبعة الأولى 1390 ه .
7)   منصور بن أحمد بن منصور العسيري , عسير والتاريخ وانحراف المسار , دار الطناني للنشر بالقاهرة , الطبعة الأولى 2012 م .
8)   محمد آل الشيخ , مقال بعنوان ( بخروش بن علاس الزهراني ) , صحيفة الجزيرة العدد 14605 الأحد 7 ذو القعدة 1433 ه الموافق 23 سبتمبر 2012 م .
9)   محمد بن ناصر الأسمري , مقال بعنوان ( قادة مقاومة في شبه الجزيرة العربية : أبطال بلا تاريخ) , موقع العربية نت الثلاثاء 25 ذو القعدة 1431ه الموافق 2 نوفمبر 2010 م نقلا عن صحيفة الوطن .

10)   موقع ويكيبيديا .


الثلاثاء، 15 يوليو 2014

وسيلة القافري ..

وسيلة ( قاف )
الشاعر معيض القافري رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

القاف نوع من الشعر الشعبي في المنطقة الجنوبية من المملكة العربية السعودية وخاصة في منطقة الباحة وهي منظومات شعرية تجهز للغلمان عند ختانهم حيث كان الختان لا يتم إلا بعد أن يقارب الغلام البلوغ, ويتم الختان ( الطهار ) عادة بحضور أخوال الغلام وجماعته في احتفال جماعي ويتوجب على الغلام إثبات شجاعته وقدررته على التحمل بأن يتغنى بالقاف المجهز له دون أن يبدي تأثره أثناء عملية الختان..
كما تنظم القيفان من بعض الشعراء في حالات مختلفة فإذا كانت تتضمن التقرب إلى الله والتوسل إليه والدعاء ووصف الزيارة النبوية فتسمى ( وسيلة ) , ومنها هذه الوسيلة التي نظمها الشاعر معيض القافري الزهراني أثناء مرضه رحمه الله تعالى .

الوسيلة :

يالله يالله يالله  =  يالله يالله يالله
يالله يالله يالله  =  سبحانك انت الوالي

سبحانك يا عظيماً   =   مفرّج كل ضيما
ورحمن رحيما  =   دايم رقيب عالي

سبحانك انت الغفار  =  يالله نجير بك م النار
ومن جميع الأوزار =  إلى وفى المكيالي

يا قلب كيف الأعذار  =  الموت ما فيه أبصار
غدى بهيف الكفار  =  وكل وجه غالي

نتفكر فين الأخيار  =  أهل الكتب والأمهار
تلاحقوا في المشوار  = كبوا ذيك  الزوالي
ربي يكيل الأعمار  =  وكل شي بالمقدار
لا بدنا بالمصدار  =  ولا بد م الزوالِ

انتاشتني الأخبار  =  من هاجس فيه أفكار
كما محض م الأبكار  =  وإلا جلس النحالِ

يحثها شرّ جار  =   بالليل  و بالأنهار
ولحكم ربي صبّار  =  ولا تسمم حالي

قعدت سبعة شهور  =  م الشر والضيم أهور
وعن قيامي مقهور  =  صم الحصى تأوى لي

قلبي من الشر منجور =  من مرض فيه الجور
ما احد يقول لي ماجور =  ورا ذاك العلالي

يا ليتني أبصر الدور  =   قدام ياجي المقدور
أدرج فيها ملا الدور  =   أيامي والليالي

فيها من كل منعور  =   م العامية ودار العور
وأهل الخيالة في الشور  =  للعرضة والقتالِ

مثيل صرخ الطابور  =  في المرشح اللي مذكور
مشيخ بالصابور  =  ربضانه و العوالي           ( الصابور : خشب العرعر)

قومي يجلون العار =  ما دامت دار(ن)  في دار
م الأنصب لا و الخرار  =  من أول في تالي    ( الأنصب : جبل بالحكم , والخرار : موقع في ضرك )

كما كحال الجنزار  =  المرشح اللي ينزار       ( كحال الجنزار : نوع من الكحل الحار)
يسقي بنو غزار  =  من سارح هجالِ

وأهله سعود الخطار  =  من يوم تغلى الأسعار
ثلاثمية سعار  =  إلى بلاهم بالي

معيض حرم نومه  =  يوم اندرق عن قومه
رمى الله من يلومه  =   ببارق متلالي

قوائمه مسقومة  =  جاه البلا من يومه
وركبه ملزومة  =   يمينه والشمالِ

حل الشر في عيوني  =  وأهل الزمان أعيوني
وكسوتي من دوني  =   يوم رايوا السعر الغالي

منها تغير لوني   =   وقربتي ملوني
جوف الحما خلوني   =   مريض من متى لي

أشكي من علة(ن) جات =   علتني سبع مرات
وا هنّي للذي مات  =   بالليل والمقيالِ

يضحك علي الشمات  =  يوم راي فيّ الخلات
يقول يا عود  إيهات  =   بيتلحق السيالي    ( السيالي: رجل كان قليل العقل لا أحد يهتم به )

وحياة قاضي الحاجات  =   إني من أهل القالات
ما انا عنهم بمفتات  =   أعرف جدي وخالي   ( مفتات : من الفوت أي لست عنهم بعيدا )

قومي حلوا بغيثان  =   على عز وجبران      ( غيثان : الأنصب )
من الخمر لا ثمران  =  كما جرف الهيالِ

خذو سحق الغرب شأن  =  مونة لصافي النيشان
يوم يلعبون البيشان  =   يتصدر العيالي       ( هذا البيت ليس مكتوبا في نسخة عقيل )

تطالقوا أهل الفرسان  =  إنا ما نفرق  إنسان
لو كان ينطح ميسان  =  في الأنصب الطوالِ

يا لله تطلق قيدي  =  من أرجولي والأيدي
وأسير بالرويدي  =   ولا تخبث بالي

عذرت في العويدي  =  وفي صب الثميدي   ( العويدي: القهوة , والثميدي: الرصاص – يعني : تركت الضيافة والرماية )
واليوم ما حد ميدي  =  مثل اللباس البالي




يا جاهل ما يدري  =  حواكم الله تجري
مع طلوع الفجري  =   والا العتيم التالي

جرت في أولاد يعقوب  =  أقفوا  ويوسف مكبوب
ما عودوا  إلا بالثوب  =  عند أهلهم عجالِ

يبكون بالأحزانِ  =  أثارهم بالعاني
على زوال الداني =  ما هم من الرجالِ

وقال أبوهم يا أولاد  =  فيين يوسف ما راد
وأنا لكم في الميعاد  =  أرجي شهر الهلالِ

قالوا غدينا ساعين  =  وهو عند المواعين
خذه والناس واعين  =  ذيب الخلا النشالِ

وجاه الذيب يدلا  =  يحلف بالرب الأعلى
إني من اللي يبلى =  بالظلم والظلالِ

يوسف في البير شلّوه  =  معا وأقفوا وخلوه
وكيف صخيّـوا تلّوه  =   في مظلم الأجوالِ

وجاه حاكم مصرا  =  قدام ياجي العصرا
وأستطلعه في القصرا  =  ورا جبد الحبالِ

يوسف نبي صديق  =  أعطاه ربي التصديق
وكل شيء بالتحقيق  =  وهو وسع الجالِ

لطف حتى بأيوب  =  وأبرى جواب مكتوب
وفك جلد مصلوب =  ونزله نزّالي

م الأنبياء صار اثنين  = كل منهم ضل عين
ولا تجافوا كلين  =  من حكم ذا الجلالِ

وانا فباصبر ذالحين  = على شرٌّ به البين
ضم الظهر والرجلين  = والله يقبل سوالي

ربي عزيز جبار =   هدم أهل التكبار
وكل مخلوق جار =  يصبح مراحه خالِ

ربي عظيم شأنه  =  يلطف بنا سبحانه
ولا بدا برهانه  =  في شربة الفنجالِ

وأختم بصافي الأركان  =  وسائل بوزّان      ( وزّان : موزون )
ما دام برق الحيزان  =  ودام الماء الزلالِ     ( الحيزان : الجبال البعيدة )

صلّـوا معي ع المختار  =   اللي في قبره ينزار
مهيمن(ن)  ع الكفار  =   محمد العدناني       ( البيت ليس في نسخة عقيل)

....................................

وهذا المقطع أعلاه لقاف معيض القافري رحمه الله تعالى التسجيل والصوت والإلقاء يتضح من خلال الفيديو .