الثلاثاء، 26 يناير 2016

الشريط الوردي ..

الشريط الوردي

كنا نسمع به يصيب الناس فنتعاطف معهم حينها, وندعو لهم, ويثير منظرهم فينا الشفقة, ما نلبث إلا حيناً يسيراً حتى ننساهم وننسى حالتهم إلا أنها تعاودنا من حينٍ لآخر, حتى كان صباح ذلك اليوم الذي شكت فيه زوجتي من ظهور حبة صغيرة تلمسها داخل ثديها فأقنعتها ابنتنا بعمل فحوصات في المستشفى للثدي .!
أخذت موعداً للفحص فانتظرنا النتائج مؤملين أن هذا لا يعدو كونه كيساً دهنياً لا يحتاج سوى عملية بسيطة لإزالته بل ربما لا يحتاج ذلك أي إزالة .!
يومان مرا أو ثلاثة لا أذكر بالتأكيد حتى أبلغتني ابنتي بالنتيجة الصادمة التي مفادها أن والدتها مصاب بسرطان الثدي, وأنه يجب أخذها إلى المستشفى لمراجعة الطبيب فوراً.! .. وياااالهول صدمة الخبر أوقفت سيارتي جانب الطريق ومرت ثواني أو دقائق لا أعلم حقيقة الوقت الذي استغرقته ذاهلاً لا أعلم متردداً بين تصديق الخبر أو تكذيبه , فعاطفتي تقول لا تصدق فإن هذا وهم غير حقيقي بينما عقلي يأمرني بالعودة للواقع والقبول به والبحث عن الحلول الناجحة .. هطلت الدموع من عيني .. بكيت .. تذكرت جميع السنوات التي قضيناها وزوجتي يجمعنا الحب والأمل والكفاح رغم معاناتها المزمنة من مرض الروماتويد, تذكرت اليتم الذي مررت به والذي عوضتني عنه فكانت لي فيه الأم الحنون والزوجة الرؤوم , تذكرت فرحتنا بنجاح أبنائنا وزواجات من تزوج منهم , تذكرت جميع لحظات السعادة والألم التي مرت بنا.!
أسئلة كثيرة تبادرت إلى ذهني ..ماهو الحل ؟!
 وكيف نبلغها ؟! .. وكيف ستكون ردة فعلها التي ستواجهنا ؟! وماذا .. وكيف.. وهل؟!
اتجهت للبيت فأخذتها إلى المستشفى لنأخذ النتيجة رسمياً, ولحسن الحظ كانت هي من يطمئنني بل وتحاول تهدئتي مهما كانت النتائج فكل مرضٍ بأمر الله وتشجعني على الصبر وقبول الأمر الواقع مهما كان وكأنني أن المريض لا هي وربما شاهدت علامات القلق على وجهي ، أو ربما كان لمعاناتها الشديدة التي تجاوزت عشرين عاماً مع مرض الروماتويد المزمن زيادة في قدرتها على تحمل الصدمات .!
قابلنا الطبيب فأبلغها فلم تكن ردة فعلها إلا قولها ( الحمد لله على قدر الله  ).!

بدأت مراحل العلاج بالجراحة لإزالة الورم والتي كانت أسهل مرحلة.. ثم حُولت إلى المستشفى التخصصي حيث أجريت لها جراحة أخرى لإزالة بعض الغدد المصابة.. ثم كانت المراحل التالية هي المعاناة الحقيقية فمرحلة العلاج الكيماوي والتي استمرت شهوراً من المرض والألم والسهروالحالة النفسية التي حاولنا في البيت أنا وأبناءنا أن نكون مساعدين في العلاج .. إيجابيين لا سلبيين .. نساعد على رفع معنوياتها .. نسعى جاهدين ألا ترى حالة من التأثر على وجوهنا بل ترى الإشراقة والأمل .!
كانت مرحلة جرعات الكيماوي والتي تتكرر كل ثلاثة أسابيع مرحلة شديدة الصعوبة والآلام والمعاناة ، فالأسبوع الأول بعد الجرعة تنزل مناعة الجسم إلى الصفر كما أخبرنا الأطباء ليتمكنوا من القضاء على آثار الورم .. وخلال هذا الأسبوع نراها تتملل .. وتتأوه .. وتتألم .. لا تنام إلا قليلا وكأنها تسترق النوم من شدة المعاناة .. إن سألناها عما تريد تضايقت ، وإن تركناها تضايقت .. أسقط بأيدينا لا نعلم ماذا نفعل سوى متابعة حالتها ومحاولة تشجيعها مع الاعتذار عن زيارات الناس لها خلال الاسبوع بسبب نزول مناعتها كما ذكرنا.!
يمر هذا الاسبوع ونحن في حالة ترقب واستنفار وكثيرا ما راجعنا بها الطوارئ في التخصصي ليساعدونا في تخفيف الآلام عنها .. وهذا يتكرر في جميع الأسابيع التي تلي جرعة الكيماوي .!
ويأتي الأسبوع الثاني فتبدأ مرحلة أخرى وهي بداية استعادة المناعة قليلا قليلا .. تخف آلامها .. تتواصل معنا .. تعتذر لنا عما سببته لنا من الإزعاج ، ونحن بدورنا نعتذر لها أن ليس بأيدينا مانسطيعه لتقليل معاناتها فندرك تفهمها لوضعنا وتقديرها لذلك..
أما الأسبوع الثالث فهو الاسبوع المختلف الذي تدب الحركة في البيت ، حيث تعود المناعة لحالتها الطبيعية .. فنسمح بالزيارات فيأتي الأقارب، وتزورها جاراتها وصديقاتها .. ونكاد نلمس السعادة في كل حال من أحوالها وأحوالنا .. ألا أننا مع هذا نترقب نهاية الأسبوع لتعود المعاناة من جديد حيث موعد الجرعة التالية من الكيماوي.
كان لتساقط الشعر أثره الكبير عندما تشاهد صورتها في المرآة دون شعر رغم أن النساء يعتبرن الشعر جزءً أساسيا من مظاهر أنوثتهن حاولنا جاهدين التخفيف من هذا التأثير وتذكيرها أنه سيعود مرة أخرى للظهور كما مر مع مصابين آخرين ، وقد عملت خلال هذه المدة على حلاقة شعر رأسي على الصفر نوع من التضامن معها .!
بعد انتهاء جرعات الكيماوي بدأنا مرحلة جديدة من العلاج وهي مرحلة العلاج الإشعاعي والذي استمر شهوراً أيضا.. إلا أنه رغم تعبه ومعاناته لا يمكن مقارنته بمرحلة العلاج الكيماوي .!
كانت أحدى وسائل تخفيف معاناة مريضتنا ما كنا نشاهده في المستشفى من حالات إصابات بالسرطان بين نساء وشباب وأطفال .. كم أحزنتنا مناظر الأطفال وهم يتأوهون ويتألمون بينما الأمهات يحبسن الدموع ويتجرعن الحسرة ويحاولن التماسك أمام الناس على أقل تقدير .. وكم أحزننا مشاهدة شباب في مقتبل العمر يتهاوون , لا تكاد أرجلهم تحملهم للوقوف عليها بسبب المرض .!
أنتهت مراحل علاج مريضتنا إلا أن الفحوصات الدورية ومراجعة استشاريي الجراحة  والأورام والاشعاع مستمرة لمتابعة الحالة وماقد يطرأ عليها مستقبلا, والنتائج بفضل الله طيبة .
معاناة وآلام وسهر وتعب مرت على مريضتنا وعلى الجميع في البيت لا يمكن للسطور السابقة شرحها  ولكنها محاولة إيضاح جزء منها.. نحمد الله الذي قضاها ونشكره على نعمه وأفضاله .. ونسأله تعالى شفاء مريضتنا , والشفاء لكل مريض.

كتبه /
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الدمام

السبت ١٣ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ الموافق ٢٣ يناير ٢٠١٦ م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصور منقولة من قوقل ..