الأربعاء، 31 مايو 2023

الوداع الأخير ..

بسم الله الرحمن الرحيم

الوداع الأخير 

 سألت أحد شعراء العرضة الجنوبية: لم لا أجد في قصائدك رثاء رغم وفاة والدك وبعض أصدقائك وأخيرًا والدتك؟!

فقال: صدقني لم أجد الكلمات التي تُناسب شدة أحزاني ولوعة الفقد، وأخشى لو قلت قصيدة ألا تقوم مقام الحدث، وتعبَّر عمّا في خاطري من الحزن والانكسار، والشعور بالأسى والخذلان!.
تركته حينها دون اقتناع بقوله فيما عدا معرفتي أن قصائد العرضة الجنوبية فرائحية وفخر، وليست قصائد حزن وانكسار!.
إلا أن قصائد الرثاء من أجمل قصائد الشعر العربي وأصدقها؛ فرثاء المهلهل لأخيه كليب التي يقول فيها:
أبت عيناي بعدك أن تكفا
كأن غضا القتاد لها شفار

ورثاء الخنساء لأخيها صخر في عدة قصائد منها قولها:
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي

ورثاء جرير لزوجته وقوله:
لولا الحياء لهاجني استعبار
ولزرت قبرك والحبيب يزار

ورثاء ابن الرومي لولده ومنها قوله:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي
فجودا فقد أودى نظيركما عندي

ناهيك عن رثاء حسان -رضي الله عنه- لسيد الخلق -صلى الله عليه وآله وسلم- والذي لم يصب المسلمون بفقد مثله ..

ثم تدور الأيام فأكتشف أن فقد شخص عزيز عليك يصيب ذهنك أحيانًا بالتبلد وعدم القدرة على التفكير، وإيجاد الكلمات التي يمكن أن تعبَّر عن كبر الفقد، ويشفي ما يجيش في الصدر من الحزن والأسى، ولا تستطيع إلا التمتمة بكلام غير مرتب ولا مفهوم وكلمات مبهمة لا ترابط بينها.
نعم هذا ما حصل عندما بلغني خبر وفاة أخينا الأكبر ونسيبي (
سعيد بن عبوش -رحمه الله-) .. وعندما شاهدته مسجى في مغسلة الأموات، مرت بذهني سنوات العمر التي عشناها، فقد تربينا في بيت واحد، كنت وعبد الرزاق ثنائي الشقاوة، وكان لنا نعم الأخ والصديق والمربي لا يبخل علينا بتوجيه ولا نصيحة يراها في مصلحتنا ..
أثناء رعينا للغنم أو شغلنا في المزارع كنا نخشى أن يفاجئنا، ونحن لاهون فقد كانت هيبته في نفوسنا كبيرة ..
غادر الديرة للبحث عن الرزق قبلنا بسنوات وفرقتنا ظروف الحياة وانشغال كل منّا في مسار خاص به لكن لم يزل الود والمحبة ورابطة الأخوة تشدنا لبعضنا، وكانت رسائله تصلنا باستمرار وفيها النصائح، والحث على الاهتمام بالدراسة، وبذل الجهد للحصول على النجاح والتفوق..
وكان من قدر الله أن اجتمعنا في منطقة واحدة للعمل، واستمرت اجتماعاتنا وتواصلنا مع بعض ..
جاء الموت الذي يفرق بين الأحبة.. إنه القدر الذي يعلم الجميع بحتمية حدوثه للجميع، ولا نملك إلا الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وأن يجمعنا به ووالدينا، ومن فقدنا في جنات النعيم.
والحمد لله رب العالمين.


– الدمام

ذو القعدة 1444 هـ الموافق مايو 2023 م .

...............

نشر في صحيفة مكة الإلكترونية على الرابط :

https://www.makkahnews.sa/5354939.html

إنتقل أخونا سعيد بن محمد عبوش إلى رحمة الله يوم الإثنين 22-5-2023 م الموافق 2-11-1444هـ.


الجمعة، 12 مايو 2023

عيد رمضان ..

 عيد رمضان

 
قال الشاعر :
العيد عايد لا محالة على الناس *** لكن من العايد على العيد منا

تحدثت في مقالات سابقة عن بعض العادات والأحداث في زمن مضى قبل نصف قرن عن انتظار شهر الصيام شهر رمضان واستعداداتهم له ثم عن مشعال العيد بعد رؤية هلال شهر شوال ، وفي هذه العجالة سأتطرق إلى عيد رمضان واستعداداتهم له وهو عيد الفطر حيث كانت التسمية الغالبة قديماً ( عيد رمضان).
لم يكن استعدادهم للعيد هيناً خاصة على رب الأسرة في زمن طغى عليه ضيق ذات اليد وعدم وجود ما يكفي للحاجة عند كثير منهم خاصة من لديه عائلة كبيرة وأطفال صغار حيث يبدأ رب الأسرة في التفكير والتخطيط منذ بداية السنة لكسوة العيد لجميع العائلة كبيرهم والصغير ذكورا وإناثا فلم تكن تتيسر الكسوة إلا مرة واحدة في العام يجعلونها لعيد رمضان وتغطي الفترة إلى العام التالي بمناسباتها المختلفة وعلى كل منهم المحافظة على مالديه ويستخدم البالي من العام السابق .
يتعامل الناس مع أحد الخياطين لملابس النساء وهم قلة فيتفق معه على ألبسة عائلته التي يختلف تطريزها باختلاف السن وتوفر المادة لدى أرباب الأسر حيث كان أغلبهم يداين الخياط بانتظار ثمرة المزارع ولعل بعضهم سبقه الموت قبل أن يسدد للخياط ثمن ما صنعه لكن في مثل هذه الحالة يأتي دور التكافل الاجتماعي و ( الشيمة ) بين الناس لتسديد مثل هذه الديون ، أما الأولاد فيشتري لهم قماشا لايكاد يكفيهم لكن ( الجود من الموجود ) فيعطي هذا القماش لأحد الأشخاص الذي يمتلك مكينة خياطة لخياطة ملابس الأولاد ليقوم بذلك ، فينتظر الجميع أواخر شهر رمضان لاستلام ملابسهم والقيام بقياسها ليتأكدوا أنها ملائمة لفرحة العيد وللاستخدام سنة قادمة فتغمرهم الفرحة جميعا رغم أن ملابس الأولاد يرى فيها العجائب فأحدهم ثوبه قصير والأخر خياطه باللون الأحمر بينما القماش أبيض وبعضهم تجد أحد أكمام الثوب أطول من الآخر لكن ليس لهم إلا الرضا بما قسم الله لهم ، وفي حالة ملابس النساء فليس هناك مشاكل كثيرة في مقاساتها حيث السعة بأن تكون فضفاضة و يغلب عليها اللون الأسود أو الأحمر ، ويشترى لهن بقية اللبس من شيال ومعاصب - المعصب قطعة قماش أصفر تربط به المرأة رأسها فوق الشيلة - وسراويل طويلة وقطعة قماش تسمى ( حوكة ) تلبسها فوق الثوب ( الفستان ) لتغطي أرداف المرأة ولعلي أشير هنا إلى أن هذا الفعل من شدة حياء المرأة وعفافها حتى لا يرى الرجال تفاصيل جسدها رغم تفشي الجهل .
قال ابن خُرمان :
ونأتي إلى ليلة العيد أو الليلة السابقة له حيث تزيد الحركة وترى البيوت كأنها خلية نحل فتلك المرأة تضع الحناء على أيدي بناتها ويديها ، والأخرى تنظف البيت استعداداً للعيد ، وهناك التي تجهز الحطب استعداداً لطبخ وجبة العيد ، وتسمع الأهازيج التي تقال في مثل هذه المناسبات ومنها :
يا عيد يا عوّاد يا أبو العوايد
لهمتني ( ذكرتني ) الحنا ونظم القلايد

وعند صلاة الفجر يستيقظ الجميع لأداء صلاة الفجر ثم صلاة العيد . و بعد صلاة العيد التي تقام في المشهد ( مصلى العيد ) حيث يجتمع للصلاة فيه الرجال من جميع القرى المتقاربة يعود كلٌ منهم إلى منزلة لمعايدة أهله وتجهيز العيد استعداداً لمرور المعيدين من الجماعة.
كان الأقارب يجتمعون بأعيادهم في منزل كبيرهم تخفيفا على أهل القرية عند التنقل بين المنازل للمعايدة . تبدأ المعايدة في القرية بتجمع الأطفال لابسين حللهم الجديدة فرحين بها يتنقلون من بيت إلى بيت مشكلين صفوف عرضة يتغنون بأهازيج العيد كقولهم :
الله يعيدنا رضاه
والستر هو والعافية

وعندما يدخلون المنزل الذي به العيد يسلمون قائلين : السلام عليكم ، ومن العايدين
فيرد أصحاب المنزل : عليكم السلام وتعودون له من السالمين
يأكل الأطفال من كل طبق قليلا ليتركوا سعة في بطونهم لبقية أعياد القرية ، ثم ينصرفون قائلين : عاد عيدكم ، ويرد عليهم أصحاب العيد : تعودون له من الفايزين ، وهكذا يتنقلون من بيت إلى بيت تغمرهم الفرحة والسعادة ، يتلو الأطفال في تنقلهم الكبار يتجمعون في بيت أحدهم ويتنقلون في بقية البيوت مع بعضهم البعض لمعايدة جميع أهل القرية ، وأخيراً يأتي دور النساء اللائي يتنقلن مجموعات لمعايدة أهل القرية .
من عجائب العيد ذلك الزمن أن ترى الأطفال فرحين يغنون ويعرضون كل منهم في غاية السعادة بلبسه الجديد رغم أن بعضهم كما ذكرنا ملابسه خياطها بالأحمر أو الأسود والثوب أبيض ، والبعض لا يوجد لثوبه أزارير بل كان المشبك يزرر ثوبه ، والبعض يستخدم أعواد الخشب الصغيرة بدلاً عن الأزارير لكنهم يصنعون سعادتهم بالموجود .
بعد المعايدة يعود الجميع إلى منازلهم وغالبا ما يكون هذا بعد أداء صلاة الظهر ، ثم يرتاحون إلى بعد صلاة العصر ويجتمع الرجال في مكان الحفل المتفق عليه في القرية لأداء العرضة حيث يجتمع رجال القرى المتقاربة فتقام العرضة إلى قبيل المغرب وينتهي العيد حين ذاك حيث سيكون اليوم الثاني وما بعده قيام الرجال بالتوجه إلى قريباتهم في القرى الأخرى للسلام عليهن ومعايدتهن .
لم يكن الاحتفال خاصاً بالرجال فالنساء يتجمعن أيضاً في أحد البيوت الواسعة لأداء اللعب الخاص بهن لابسات ملابس العيد في أجمل منظر لهن فالفرحة تعم الجميع .
قد يتساءل البعض ماذا عن الحلال من غنم وبقر وهنا نوضح أن لكل قرية حمى معقود طوال العام لا يسمح لأحد بالاعتلاف أو الاحتطاب منه أو الرعي إلا بعد أن يسمح بذلك العريفة والموامين وكبار رجال القرية ، فيجتمعون إحدى الليالي أواخر رمضان فيقررون أن يوم العيد وربما يضيفون اليوم الثاني يسمح للجميع باطلاق حلالهم في الحمى ويعتبرونه عيداً للحلال كذلك فيقوم الأهالي بسوق مواشيهم فجر يوم العيد إلى الحمى ويستعيدونها قبيل غروب الشمس .
أما بالنسبة للمزارع إذا كان وقت حماية الخريف من الطير فيتركونها دون حامي يوم العيد قائلين هذا يوم العيد حتى للطير.
قال ابن خُرمان:
كانت الحياة صعبة وقاسية وكان الناس يصنعون سعادتهم بالموجود لديهم ، ونحمد الله الذي أنعم على هذه البلاد بنعم كثيرة أهمها الأمن والأمان في ظل قيادة محبوبة من الجميع وحدت الأشتات وعدلت بين المواطنين . و الله ولي التوفيق.
 
كتبه /علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الدمام
شوال 1444 هـ / مايو ٢٠٢٣ م .

......................
نشر في صحيفة النهار السعودية على الرابط :
https://www.annahar-news.com/news/single/1182

عروس الصحافة ..

 عروس الصحافة 


عشتُ معها من حين ولادتها وتابعتها تحبو ثم تخطو خطواتها الأولى، وشاركت بحمد الله في رعايتها، والعمل على تنميتها وتكبيرها منذ بواكير وقتها وكم كانت سعادتي تزيد كلما رأيتها تتصدر المشهد رغم صعوبة المنافسة وقدرات المنافسين التي لا تُقارن بقدرات هذه المولودة (صحيفة مكة الإلكترونية)؛ حيث بدأت في فترة وجود منتديات الإنترنت التي كان لها صولات وجولات في عالم السياسة والثقافة كما كانت الصحف الورقية لا تزال في أوج سطوعها.
بدأت صحيفتنا التي شبهتها بالعروس بدايات متواضعة كان لرئيس التحرير الأستاذ/
عبدالله بن أحمد الزهراني جهود كبيرة، وكان له رؤية مستقبلية لا تخطئها العين عن مجال الصحافة والنشر الإلكتروني؛ فقد بدأ بتأسيس منتدى إنترنت نجح نجاحًا كبيرًا، وحين توقع ببصيرته النافذة أن مصير المنتديات آيل للأفول، اتجه مباشرة لتأسيس هذه الصحيفة المباركة في المدينة المباركة قبلة المسلمين ثم سارع بتسجيلها رسميًا في وزارة الإعلام، وابتدأ العمل واستقطاب الكتاب ومتابعة الأخبار عن جميع مناطق المملكة؛ خاصة منطقة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة تحديدًا.
كتبت هذه النبذة عن صحيفتنا الغالية بعد أن شاهدت خبرًا عن قيام معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور
عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ بتكريم صحيفة مكة الإلكترونية في الحفل السنوي الذي تنظمه الوزارة لتكريم المشاركين في أعمالها خلال شهر رمضان المبارك لعام 1444هـ نظير جهودها في تغطية برامج وخطة الوزارة، يُضاف لهذا حديث معالي وزير الحج والعمرة السابق د. محمد صالح بنتن الذي ذكر فيه أن صحيفة مكة الإلكترونية لها السبق والريادة في خدمة ضيوف الرحمن.
لم يكن هذا التكريم الأوَّل لصحيفة
مكة الإلكترونية بل سبقه التكريم عدة مرات في السنوات الماضية من الجهات المعنية عن مشاركاتها الناجحة والمميزة في مواسم الحج السنوية، ثم إن التكريم المعنوي ما نشاهده من مقالات لكبار الكتاب، والذين كانت الصحف الورقية تتسابق للحصول منهم على هذه المقالات وبمبالغ عالية، ولولا ثقتهم الكبيرة في نجاح وانتشار هذه الصحيفة لما خاطروا بأسمائهم الكبيرة في عالم الثقافة والإعلام، وكتبوا المقالات لصحيفة مكة الإلكترونية.
إنني وببالغ السعادة أزف تهنئتي بهذا النجاح الباهر لصحيفتنا الغراء إلى الأستاذ/
عبدالله بن أحمد الزهراني رئيس التحرير وجميع زملائه العاملين بكل همة ونشاط في تحقيق السبق في عالم الصحافة، وأدعو الله جل شأنه أن يوفقهم، وأن نرى صحيفتنا الحبيبة في مقدمة ركب الصحافة العالمية.
والله ولي التوفيق…

كتبه /

علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني

الدمام

شوال 1444  هـ الموافق مايو 2023 م.


..................

نشر في صحيفة مكة الإلكترونية على الرابط :

https://www.makkahnews.sa/5351720.html