الأحد، 7 يونيو 2009

حديقة الغروب

بسم الله الرحمن الرحيم

حديقة الغروب ديوان شعر صغير الحجم يحتوي على ( 11 ) قصيدة من أشعار معالي الدكتور الشاعر الأديب غازي بن عبدالرحمن القصيبي , الطبعة الأولى من الديوان عام 1428 هـ / 2007 م .

الديوان من مطبوعات مكتبة العبيكان .

أطلق الشاعر على الديوان اسم اول قصيدة فيه ( حديقة الغروب ) , يلاحظ أن أغلب قصائد الديوان في رثاء أشخاص أحبهم غازي القصيبي وكان لفقدهم أثره الكبيرفي إثارة الحزن العميق في نفس الشاعر , منهم احمد بن سلمان بن عبدالعزيز رحمه الله الذي أهدى له قصيدة ( دمع الخيل ) , وكتب في وداع الدكتور محسون جلال رحمه الله قصيدة ( محسون ) , ولشقيقته حياة وشقيقه عادل رحمهما الله كتب قصيدتين لايملك الانسان عند قراءتهما إلا أن يحس شعور الشاعر وحزنه العميق لفقدهما , وفي وداع صديقه يوسف الشيراوي رحمه الله كتب قصيدة ( ياأعز الرجال ) , وهناك قصائد أخرى في الديوان للبنان والرياض وشاعر البحرين الشيخ احمد بن محمد آل خليفة رحمه الله تعالى , وفي قصيدة ( لك الحمد ) فيها حسن الالتجاء الى الله تعالى , فيها احساس القصيبي المسلم الموحد رغم مايقوله المصنفون , فيها بث الشكوى الى المولى عز وجل , فيها احساس الغربة بعد فقد الأحبة , رحم الله القصيبي ورحمنا ورحم كل مسلم قال ( لاإله إلا الله , محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) .

يقول في أبيات من قصيدة ( لك الحمد ) :

لك الحمد! والأحلام ضاحكة الثغر .... لك الحمد! والأيام دامية الظفر
لك الحمد! والأفراح ترقص في دمي .... لك الحمد! والأتراح تعصف في صدري
لك الحمد! لاأوفيك حمداً .. وإن طغى ..... زماني.. وإن لجت لياليه في الغدر
****
قصدتك يارباه والأفق أغبر ... وفوقي من بلواي قاصمة الظهر
قصدتك يارباه والعمر روضة ..... مروّعة الأطيار واجمة الزهر
أكتّم في الأضلاع مالو نشرته ..... تعجبت الأوجاع مني ..ومن صبري
****
أليك عظيم العفو أشكو مواجعي .... بدمع على مرأى الخلائق لايجري
ترحل إخواني فأصبحت بعدهم .... غريباً .. يتيم الروح ..والقلب .. والفكر
لك الحمد! والأحباب في كل سامر .... لك الحمد! والأحباب في وحشة القبر
وأشكر إذ تعطي بما أنت أهله .... وتأخذ ماتعطي .. فأرتاح للشكر !

****
نلاحظ في القصيدة الأولى من الديوان تشابه في المضمون الى حد كبير مع قصيدة سبق إن أختارها القصيبي في كتاب ( قصائد أعجبتني ) وهي قصيدة رثاء النفس للشاعر ( مالك بن الريب ) .
يبدأ القصيبي قصيدته بذكر بلوغه الخامسة والستين من العمر وملله من كثرة الارتحال الجسدي والفكري , ارتحال الجسد بكثرة السفريات وكثرة المشاغل, وارتحال الفكر بكثرة محاورة الاعداء الذين يكنون العداء لكل تطور وكل فكرة جديدة , وهنا يتضح تأثره بالشاعرالجاهلي زهير بن أبي سلمى في قوله :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش .... ثمانين حولا لاأبا لك يسأم
مع الفرق الكبير فيما عاناه زهير وماعاناه القصيبي , فقد يكون زهير عانى من الفقر والتعب والترحال والغزوات المحدودة , أما القصيبي فتختلف معاناته لكثرة المشكلات وبعد المسافات وتنوع المهمات .!.

نص قصيدة ( حديقة الغروب ) :

خمس وستون .. في أجفان إعصار ...... أما سئمت ارتحالا أيها الساري ؟
أما مللت من الأسفار .. ماهدأت ...... إلا وألقتك في وعثاء أسفار ؟
أما تعبت من الأعداء .. مابرحوا ....... يحاورونك بالكبريت .. والنار ؟
والصحب ؟ أين رفاق العمر؟ هل بقيت ...... سوى ثمالة أيام .. وتذكار ؟
بلى اكتفيت!.. وأضناني السرى! وشكا ....... قلبي العناء!.. ولكن تلك أقداري


**

أيا رفيقة دربي ! .. لو لدي سوى ....... عمري .. لقلت : فدى عينيك أعماري
أحببتني .. وشبابي في فتوته ...... وماتغيرتِ .. والأوجاع سماري
منحتني من كنوز الحب .. أنفسها ....... وكنت لولا نداك الجائع العاري
ماذا أقول ؟ وددت البحر قافيتي ...... والغيم محبرتي .. والأفق أشعاري
إن ساءلوك فقولي : " كان يعشقني ..... بكل مافيه من عنف .. وإصرار
وكان يأوي الى قلبي .. ويسكنه ....... وكان يحمل في أضلاعه داري "
وإن مضيت .. فقولي : " لم يكن بطلا ....... لكنه لم يقبّل جبهة العار "

**

وأنت !.. يابنت فجر في تنفسه ...... مافي الأنوثة .. من سحر وأسرار
ماذا تريدين مني ؟! إنني شبح ....... يهيم مابين أغلال .. وأسوار
هذي حديقة عمري في الغروب .. كما ....... رأيت .. مرعى خريف جائع ضار
الطير هاجر .. والأغصان شاحبة ........ والورد أطرق يبكي عهد آذار
لاتتبعيني ! دعيني ! .. واقرأي كتبي ...... فبين أوراقها تلقاك أخباري
وإن مضيت .. فقولي : " لم يكن بطلاً ....... وكان يمزج أطواراً بأطوار "


**

ويابلاداً نذرت العمر .. زهرته ...... لعزها !.. دمت!.. إني حان إبحاري
تركت بين رمال البيد أغنيتي ...... وعند شاطئك المسحور .. أسماري
إن ساءلوك فقولي : لم أبع قلمي ....... ولم أدنس بسوق الزيف أفكاري
وإن مضيت .. فقولي: " لم يكن بطلاً ..... وكان طفلي ..ومحبوبي ..وقيثاري "


**

ياعالم الغيب! ذنبي أنت تعرفه ....... وأنت تعلم إعلاني .. وإسراري
وأنت أدرى بإيمان مننت به ........ عليّ .. ماخدشته كل أوزاري
أحببت لقياك .. حسن الظن يشفع لي ...... أيرتجى العفو إلا عند غفّار ؟

****


قال ابن خرمان :

لم تترك لي بلاغة القصيدة وشاعريتها أي مجال للتعليق , وأي تعليق قد يشينها بدلاً عن أن يزيها !, فمنذ افتتاحيتها بالتملل من طول السنين خاصة بعد فقد الأحبة ورفاق العمر.. الى انتقال الشاعر الى مناجاة رفيقة الدرب .. ثم تأكيده على استمرارية ليس فقط حبه لها ولكن العشق الى درجة استعداده لافتدائها بكل اعماره لوأن لديه أكثر من عمر واحد ! .. يتمنى لو أن البحر قافيته وأن الغيم مداده ليتمكن من تسطير اجمل القوافي فيها وفي حبه لها .. ثم يوصيها بعد الفراق أن تخبر الآخرين بأنه لم يقبل العار أبداً!.. أليست هي من يعلم عنه كل مالا يعلمه الآخرون؟! .
بعد التنقل في مسار الحياة يعود الشاعر الى الوطن الذي نذر له عمره .. وبذل جهده في عز ورفعة بلاده .. مؤكداً عدم خيانته لوطنه قولا وعملا , ( وحيث أن الناس شهود الله في أرضه فأنا ممن يقول أن القصيبي صاحب الوزارات لم يقصر في حق وطنه منذ أن عرفناه , ففي وزارة الصناعة والكهرباء وصلت الكهرباء في عهده الى مناطق لم تكن لتصلها , وبنيت المصانع الكبرى خاصة سابك في الجبيل , وفي الصحة كان له جهوداً لاينكرها الا جاهل أو جاحد , وفي وزارة العمل نلاحظ مايبذله من جهود رغم حروب المستنفعين والمتسلطين التي يخوض لظاها ويعاني لهيبها , وفي السفارات وبقية المناصب لاتزال آثار أعماله هناك ظاهرة , كما كان لسوط أشعاره دفاعا عن الوطن وعن الحق أثره الواضح خلال أزمة احتلال الكويت من قبل صدام العراق , أما قضايا المسلمين خاصة قضية فلسطين فلم تكن غائبة عن فكره وشعره ! ).
وأخيراً .. يختتم الشاعر قصيدته لائذاً بربه العالم خفايا الأنفس .. شاكراً له نعمة الإيمان .. يؤكد حبه للقاء المولى محسناً الظن به !.. وهل هناك أكرم وأرحم من الله تعالى ؟!..
الديوان في مجمله شيق , قصائده لاتملك الا أن تعجب بها , وتعجز عن اختيار احدها , ففيها احساس بأنها صادرة من القلب بلغة شاعرية بليغة كما عهدناه في أشعاره ..

****
كتبه /
علي بن ضيف الله الزهراني (ابن خرمان )
الاحد 14/ 6 / 1430 هـ الموافق 7/ 6 / 2009 م
............

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق