الخميس، 7 أبريل 2016

مشاهد شعرية ..

مشاهد شعرية
قال ابن خُرمان: هذه مشاهد بانورامية من قصيدة ( فغض الطرف إنك من نمير ) نرتبها كما وردت في كتب الأدب :
المشهد الأول:
مجلس الشاعر الفرزدق في المربد ممتلئ بالرواة والشعراء يستمعون إلى قصائده خاصة التي هجا بها غريمه جرير , ومن ضمن الجلوس الشاعر عبيد النميري وابنه جندل , وكان النميري يقضي للفرزدق ومما قاله في ذلك :
ياصاحبيّ دنا الرواح فسيرا ... غلب الفرزدق في الهجاء جريرا
وغير بعيد عنهم يقف جرير في طريق الراعي النميري لعله يثنيه عن تأييده للفرزدق .!

المشهد الثاني:
ينصرف الراعي من مجلسه راكبا بغلته ويمضى وخلفه ابنه جندل على مهر له, فلما وصل عند جرير استقبله جرير قائلا : مرحبا بك أبا جندل, وضرب بشماله على معرف بغلته ثم قال: يا أبا جندل إن قولك يستمع وإنك تفضل عليّ الفرزدق وأنا أمدح قومك وهو يهجوهم, وهو ابن عمي ويكفيك من ذاك أن إذا ذكرنا أن تقول كلاهما شاعر كريم فلا تحتمل مني ولا منه لائمه . وبينما هما كذلك لحق به ابنه جندل فضرب بكرمانية معه عجز بغلة أبيه قائلا لأبيه : لا أراك واقفا على كلب من كليب كأنك تخشى منه شرا أو ترجو منه خيرا , فرمحت البغلة جريرا وقعت منها قلنسوته , فأخذها ومسحها من التراب ثم أعادها على رأسه وقال:
أجندل ماتقول بني نمير .... إذا ما الأير في است أبيك غابا
فقال الراعي لابنه : أما والله لقد طرحت قلنسوته طرحة مشؤومة , فقال جرير: لا والله ما القلنسوة بأغيظ أمره اليّ لوكان عاج علي فاعتذر عن فعل ابنه .!
المشهد الثالث :
عودة جرير غاضبا فصلى العشاء في منزل راويته في علية له , ثم قال له أعدوا لي شواءً وارفعوا لي باطية من نبيذ وأسرجوا لي ففعلوا , ثم سرى الليل يهمهم، فسمعته عجوز عندهم فصعدت الدرج حتى نظرت إليه فإذا هو يحبوا على الفراش عريانا فعادت وقالت لهم : ضيفكم مجنون فقد رأيت منه كذا وكذا.. فقالوا لها: دعيه فنحن أعلم به وبما فيه.!
أما جرير فاستمر على حاله حتى السحر فأتم ثمانين بيتا أو أكثر ختمها بقوله:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ثم كبّر وصاح : أخزيته ورب الكعبة .!
المشهد الرابع :
الفرزدق وصحبه ومن ضمنهم عبيد الراعي النميري جالسون في مجلسهم بالمربد , فأقبل عليهم جرير على فرس له حتى إذا كان في موضع السلام لم يسلم وإنما قال : ياغلام قل لعبيد أبعثك نسوتك تكسبهن المال بالعراق , أما والذي نفس جرير بيده لترجعن لهن بمير يسوءهن ولا يسرهن , ثم اندفع منشدا قصيدته التي مطلعها :
أقلي اللوم عاذل والعتابا .... وقولي إن أصبت فقد أصابا
فنكس الفرزدق وراعي الابل وأزم القوم , واستمر في انشادها حتى إذا بلغ قوله :
بها برص بجانب إسكتيها ... ( وضع الفرزدق يده على فمه وغطى عنفقته ) فقال جرير:
بها برص بجانب إسكتيها .... كعنفقة الفرزددق حين شابا
قال الفرزدق : أخزاه الله ولقد علمت حين بدأ البيت أنه لا يقول غير هذا ولكن طمعت الإباية فغطيت وجهي فما أغناني ذلك شيئا.!
واستمر إنشاد جرير لقصيدته حتى فرغ منها , ثم ركب الراعي النميري بغلته وذهب .
المشهد الأخير :
يتجه الراعي النميري إلى المنزل الذي ينزله فقال لأصحابه :
ركابكم فليس لكم هاهنا مقام فقد فضحكم جرير , قال بعضهم : هذا والله من شؤمك وشؤم ابنك . فركب القوم وساروا إلى أهلهم سيرا ما ساره أحد , حتى بلغوا أعلى ديار بني نمير فإذا من ينشد البيت :
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ويحلف بعضهم أنه لم يسبقهم أحد إلى تلك الأماكن .!
بعدها سقط بنو نمير ولم يرفعوا رأسا, وأصبح النسب النميري مذمة بعد إن كان مفخرة فإذا انتسب أحدهم قال : عامريّ , كما أصبح عندهم عبيد الراعي وابنه جندل شؤماً بينهم .!
ختاماً:
أتمنى أن أكون وفقت في تصوير هذه المشاهد .. والله ولي التوفيق .
مع تحيات /
علي بن ضيف الله بن خرمان الزهراني .
الدمام


٢٨ جمادالثاني ١٤٣٧هـ الموافق ٦ ابريل ٢٠١٦م