الجمعة، 14 أبريل 2023

مشعال العيد

 بسم الله الرحمن الرحيم


تقول الشاعرة تماضر بنت عمرو المعروفة بالخنساء رحمها الله ضمن رثائها لأخيها صخر :
وإن صخراً لتأتم الهداة به *** كأنه علم في رأسه نار
شبهته بالنار التي توقد رأس جبل في ظلام الليل ليراه سُراة الليل فيتجهون إليه .
وبهذه الطريقة كان الناس في منطقة الباحة قديماً يتناقلون خبر ظهور هلال شهر شوال  وبداية العيد بإشعال المشاعيل رؤوس الجبال.
تكلمت في مقال سابق عن استعدادات الناس لدخول شهر رمضان وطريقة صيامهم في زمن يغلب عليه الشقاء وضيق ذات اليد ، وهنا سأتحدث عن الاستعدادات للعيد في ذلك الزمن.
روي لنا من كبار السن الذين أدركناهم - رحمهم الله – أنهم وقبل ظهور الراديو كانوا يجمعون الأحطاب على مدى شهر رمضان ويزيد الاهتمام من بعد منتصف الشهر ويوضع في مكان معروف بأعلى قمة جبل في القرية خاصة ما يشرف على تهامة – هنا أتكلم عن قرى الشعف الواقعة في جبال السروات – وفي آخر يومين من الشهر يرص الحطب بطريقة معينة ويبنى ليرتفع عن سطح الأرض وقد يتجاوز ارتفاعه قامة الرجل ، ويقوم أبناء القرية بإقامة حراسات من شبابهم يتناوبون على حراسة المشعال حتى لا يحرق في غير وقته وربما يتسبب هذا في إفطار قرى بعيدة أخرى ويجتمع الرجال قبل غروب الشمس كلٌ منهم يأخذ إفطاره معه عند المشعال من قبل المغرب ليتراءون الهلال وعندما يتأكدون من ظهور هلال العيد يتخذ كبار القرية ومن بيده الرأي القرار فيتم إشعال المشعال ويحتفلون بالعرضة والرماية وتشاهد الجبال في جميع القرى منارة بالمشاعيل منهم من شاهد الهلال ومنهم من اعتمد على مشاعيل الآخرين وتعم الفرحة الجميع بانهائهم شهر الصوم واستعداداً للعيد هذا ما كان يفعله الناس قديما وربما يفوق هذا السبعين عاماً مع أن البعض لا يزال يحيي هذه العادة حاليا إحتفالاً ومتعه .
قال ابن خُرمان : أما مشاهداتنا وما كنا نفعله في طفولتنا فقد كان الراديو موجوداً ولم يعد للكبار اهتمام بالمشعال وأصبحت تلك مسؤولية الأطفال يبدأ جمعهم للحطب منذ منتصف شهر رمضان وربما قبل ذلك ، ويختارون الأشجار والنباتات سريعة الإشتعال مثل العرفج والنيم والشث والعثرب وغيرها، يقومون بتكويم أحطابهم التي يجمعونها في مكان متفق عليه داخل القرية فلم يعد الهدف إبلاغ القرى المجاورة بالعيد وإنما هدفهم الاحتفال فقط .. وكم تكون فرحة الأطفال كبيرة باجتماعهم وعرضتهم حول المشعال الذي لا يشعلونه إلا عند إعلان نهاية شهر رمضان وثبوت رؤية هلال شوال وربما شاركهم بعض الكبار تشجيعاً لهم .. وقد يحدث أن يكون لدى بعض الأطفال طراطيع وهم قلة خاصة من لهم أقارب في المدن سبق وأن أحضروها لهم،أما البقية فبعضهم يستخدم أعواد الكبريت بلفها في قصدير وتضرب بالأحجار فيكون لها أصوات قوية تسعد الأطفال وتشجعهم في احتفالاتهم والتي تستمر ما يقارب الساعة يعود الأطفال بعد إنطفاء النار إلى منازلهم ليخلدون للنوم استعداداً للعيد حتى أن بعضهم ينام دون عشاء بسبب التعب فهو طول اليوم السابق يعمل ويضاف إليه تعب الإحتفال .
ختاماً:هذه نبذة موجزة عن تجهيز المشعال والإحتفالات برؤية هلال شهر شوال والذي كانوا يطلقون عليه شهر ( الفطر الأول ) .
نسأل الله أن يديم علينا نعمه ويمنعها من الزوال.
 
 
دونه/
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني

الدمام
رمضان 1444 هـ الموافق ابريل 2023 م.
............................

نشر في صحيفة النهار السعودية على الرابط :
https://annahar-news.com/news/single/638

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق