السبت، 21 ديسمبر 2013

الشيب يوائم بين العامية واالفصحى ..

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيب يوائم بين العامية والفصحى

تطرق الشعراء قديماً وحديثاً لمختلف الفنون وشتى الموضوعات من مدح وهجاء ورثاء وغيره , وكان مما تطرقوا إليه الشيب وظهوره على الإنسان فأدخله كثير منهم في شعرهم سواءً للوعظ أوغيره , ولم يكن هذا حصراً على شعراء الفصحى بل اشترك معهم في ذلك الشعراء الشعبيون أأيضا فيقول أحد شعراء الفصحى :

عيرتني بالشيب وهو وقار ..... ليتها عيرتني بما هو عار

أشار إلى أن الحبيبة عيرته بظهور الشيب على مفارقه واعتبرته عيباً في الشاعر بينما الشيب من وجهة نظر الشاعر عكس ذلك بل هو الوقار.
أما الشاعر الشعبي فيقول في هذا الصدد :

قال ابن خماش ياشيبي فضحتاني

حيث اعتبر أن الشيب فضح سنه الحقيقي الذي يحاول الشاعر جاهداً أن يخفيه ليحصل على مبتغاه .
أما استغلال ظهور الشيب للوعظ والنصح فقد تطرق إليه عدد من شعرا الفصحى منهم الشاعر أبو هلال العسكري صاحب ديوان المعاني الذي يقول :

قد تعاطاك شباب ..... وتغشاك مشيب
فأتى ماليس يمضي ..... ومضى مالا يؤوب
فتأهب لسقام ...... ليس يشفيه طبيب
لا توهمه بعيداً ..... إنما الآتي قريب

وهو في هذه الأبيات يوضح أن الشباب ولى وأتى المشيب وعلى الإنسان في هذه المرحلة الاستعداد لأمراض الشيخوخة وللموت .
الإمام الشافعي رحمه الله يشير إلى أن الشيب رسول الفناء فيقول :

خبت نار نفسي باشتعال مفارقي ... وأظلم ليلي إذ أضاء شهابها
أأنعم عيشا بعدما حل عارضي .... طلائع شيب ليس يغني خضابها
إذا اصفر لون المرء وابيض شعره ... تنغص من أيامه مستطابها
فدع عنك سوءات الأمور فإنها .... حرام على نفس التقي ارتكابها
ولا تمشين في منكب الأرض فاخراً... فعما قليل يحتويك ترابها

وكعادة الإمام الشافعي رحمه الله الذي يوجه شعره دائماً للوعظ والإرشاد والدعوة إلى الطريق القويم يوضح أن الشيب كالشهب التي تضيء الليل ولايفيد بأي حال من الأحوال خضاب الشيب أو تغيير لونه وما على الإنسان في هذه الحالة إلا اجتناب المعاصي والاستعداد للموت .
أما الزاهد ابن عمران فيرى أن الشباب به الجهل والغرور ويبعد عن طاعة الله سبحانه وتعالى بينما الشيب يدل على الحلم والوقار وهو الواعظ والمبشر بقرب الانتقال إلى الدار الآخرة وعلى الإنسان الإستعداد والعمل بما يقربه إلى الله تعالى وإلى جواره فيقول في هذا :

ذهب الشباب بجهله وبعاره ..... وأتى المشيب بحلمهه ووقاره
شتان بين مبعد من ربه ...... بغروره ومبشر بجواره
مازلت أمرح بالشباب جهالة ..... كالطرف يمرح معجباً بعذاره
حتى تقلص ظله فتكشفت ...... عوراته وبدا قبيح فعاله
والآن قد خط المشيب بمفرقي ....... بمواعظ والحق في تذكاره

ويقابل شعراء الفصحى في هذا الشأن من إستغلال الشيب وظهوره للوعظ والإرشاد شعراء شعبيون منهم الشاعر ( صالح بن محمد اللخمي الزهراني ) الذي تطرق لهذا الموضوع في عدة قصائد من قصائد العرضة منها القصيدة التالية التي يعظنا فيها الشاعر بأسلوب سهل واضح مفهوم من الجميعع حيث يقول :

ياجليل الملك نطلبك في حسن الختام
الكبر له قدر والشيب قطعة م الكفن
مانبي نغتر بافكار واجسام قوية
لا هيا باقي نعجز وباقي نهرما

فالشاعر هنا يسأل الله سبحانه وتتعالى في حسن الخاتمة والتي هي مطلب كل مسلم ويشير إلى أن الكبر له قدر ووقار ويشبه بياض الشيب ببياض الكفن كما أن الشيب غالباً يظهر في أواخر العمر ويقرب الإنسان إلى الموت والإدراج في الكفن ويأتي دور الوعظ هنا فيطلب الشاعر ألا نغتر بالأفكار والعلم والتطور الذي نحن فيه والأجسام القوية الشابة النشيطة فعما قليل يقل جهد الإنسان ويتقدم به السن ويهرم ويأتي عليه الموت أيضاً , والبيتين الأخيرين فيهما شبه كبير بقول الشافعي رحمه الله :

ولا تمشين في منكب الأرض فاخراً .... فعما قليل يحتويك ترابها

ويقول الشاعر صالح اللخمي في قصيدة أخرى وفي نفس الموضوع :

باقي الأعمار تصرم وتاجينا
يالله إنك خفف الحكم والقدرة
بعد كان الوجه مبسوط ومسافر
من يرد الشيب إذا راي حدّيرة

شبه الأعمار بالزرع الذي لابد له من الحصاد وليس له سوى سؤال المولى عز وجل في اللطف والتخفيف فبعد إن كان الوجه يشع بشاشة ونظارة وشباباً أتى عليه الشيب الذي لا يمكن رده أو تأخيره.!

كتبه /
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني

..............

( نشر هذا المقال في صفحة تضاريس بصحيفة المدينة العدد (13644)- الخميس 2جمادى الآخرة 1421 هـ الموافق 31 أغسطس 2000 م .)



...............................
ونشر في صحيفة الفنون الإخبارية 02-17-1435 10:12 AM على الرابط :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق