عادات كانت فانقرضت
قيل ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس
) وينبغي علينا شكر دولتنا الحكيمة التي نشرت العلم و التعليم في كل شبر من هذه
الأرض المباركة بل وفتحت أبواب الابتعاث لأبناء الوطن إلى الدول الخارجية شرقها
وغربها ، شمالها وجنوبها لينهلوا من ينابيع الحكمة ويتعلموا من مناهل العلم حتى
يعودوا إلى الوطن حاملي لواء التحديث إلى أن أصبحت المملكة العربية السعودية تنافس
كبريات دول العالم ، وقبل كل هذا يجب علينا أن ندعو لموحد هذه البلاد ( الملك
عبدالعزيزآل سعود ) بأن يتغمده الله بواسع رحمته وأن يجزاه عما قام به خير الجزاء
فبفضله بعد الله تعالى تخلص المجتمع من عادات قديمة قد تخالف منهج الدين القويم وبعضها
قد لا يناسب روح الدولة الحديثة.
قال ابن خُرمان :
سأتحدث في مقالي هذا عن عادات قديمة كانت
موجودة في منطقتنا لكنها انقرضت ، ومنها ما قد كتبت عنه في مقالات سابقة لي وهي ( الثلّابة) وهو المسمى
الذي يطلق على الغلمان عند ختانهم والذي كان لا يحدث إلا حين يقارب الفتى البلوغ
وشرحت عن (القيفان أو العزاوي) وهي القصائد الحماسية التي يحفظها الثلاب ليلقيها
عند ختانه ولعلي هنا أضيف نموجاً أورده الأستاذ علي بن صالح السلوك في الموروثات
وهي عزاوي يقولها غالبية الشباب الذين قد لا يتوفرلآبائهم ما يساعدهم على تجهيز
قاف طويل فيقولون هذه العزاوي :
اقطع يا قطّاع
اقطع ولا ترتاع
تراني جبل ما ينزاع
إلا ينزاع اثرب على ثربان
تراني ولد ( فلان )
واخوالي ( آل فلان )
دقّاقة البارود
كم من حجية دكوها
وكم من صبيه نكحوها
يتضح لنا هنا أن الغلام كان يزهو
بنفسه بل ويطالب من سيقوم بعملية الختان ألا يتردد ويذكر له أ، لن يهتز إلا أن
تهتز جبال اثرب وثربان ، ثم يفتخر بعد ذلك بنسبه وبأخواله ويفاخر بشجاعتهم من حيث
تجهيز البارود لمقاتلة الأعداء وأنهم دمروا محاجي العدو ، ويباهي بكثرتهم حيث أنهم كثيري الزواج وخلفة الأبناء.
قال ابن خُرمان :
ومن العادات القديمة التي اندثرت بعض
الألعاب مثل المدريها التي كانوا يقيمونها في انتظار عودة الحجاج فيقوم أقارب
الحاج بتجهيز مدريها وهي شبيهة بالمراجيح حالياً حيث يستخدمون الضمد ( المقرنة ) -
الخاصة بأغراض الزراعة والتي كانت توضع على رقاب الثيران لتجر المحراث وغيرها –
فهم هنا لتجهيز المداريه أو المدريها يربطون حبال في أطراف الضمد ويعلقونه في شجرة
أويعملون له سواري من الخشب خاصة في إحدى سيَح ( باحات ) المنازل فيقوم اثنان يمرجحان فيها مع غناء بعض
القصائد والأناشيد التي في غالبها دعاء بعودة الحاج من سفره سالماً ، و لقلة ما
وجدته من قصائد المداريه سأورد هنا ما حصلت عليه :
درّه يا بن(ن) بوزّان
يهبط الباحة و رغدان
ع الفوايد محتمينه
..
ليت عبدالله و جمعان
عسكر(ن) جيش الاخوان
ع الحدود معسكرينا
هنا يتحدث الشاعر في البدع عن الذي
في المدريها ويشبهه بالقهوة لغلاء القهوة حينها والذي لا يجدونه إلا في الباحة
ورغدان أيام السوق ، ثم يتحدث في الردود عن الحاجين اللذين ينتظرونهما ولا يعلمون
عن حالهما ويتمنى لو أنهما من الجيش الموجود حينها على الحدود معروف حالهما.
وقصيدة أخرى وجدتها كتاب ( الجوس في
المنسوب إلى دوس ) للدكتور مرزوق بن هياس الزهراني منسوبة للشاعر محمد المالحي
رحمه الله يقول فيها:
إنه يقول المالحي م البلس عيدي
حمول الشوقبي راحت لتركي و ارادبها
هنا يتحدث الشاعر عن أن عيده لم يكن
هذه المرة إلا من الذرة الحمراء ( البلس ) فما زرعه من الحنطة ( الشوقبي ) ذهب
لأمير المنطقة حينها .
قال ابن خُرمان :
وقبل أن أنهي مقالي سأتكلم باختصار
عن عادة اندثرت ، سمعنا عنها كذلك ولم نشاهدها وهي عادة الشبك حيث كانت كما روي
لنا يجتمعون الرجال والنساء في الملعبة صفاً واحداً أو صفين متقابلين يلقي الشعراء
قصائدهم وتلعب عليها الصفوف ، وهنا سأورد قصيدة مما روي لي من قصائد في الشبك ، فالقصيدة
التالية بين الشاعرين محمد بن راشد الشعشعي
وسعيد بن أحمد بن عيسى رحمهما الله .
البدع من الشعشعي :
آثارك يا ولد ابن عيسى تغنمت
المشاييخ يا شيطان
هني من هو صادفه في محانية الرميضا
تواجر به
إن الملَك ياجي له أملاك والشيطان يا
جي بشيطانه
الردود لابن عيسى :
يا زير جد الصوت في الملعبة شي يقطع
القلب يا شي طان
يا شعشعي لو تمتني السمن ما حد يودك
تواجر به
دونه رصاص منيمسي شيطن الاعظام
شيطانه
روي أن الشاعر الشعشعي كان مصاباً
بالعشى فلا يستطيع الرؤية بوضوح وذُكر له أن في الملعبة امرأة غاية في الجمال لكنه
لم يرها فقال البدع يشرح للشاعر الثاني هذا الأمر ويتمنى لو يستطيع مشاهدتها كابن
عيسى لكن الدنيا حظوظ وهذا هو حظه السيء الذي كنى عنه بالشيطان ، فما كان من ابن
عيسى إلا أن ذكر له أن الملعبة كبيرة وقوية والزير فيها يهز الوجدان لكن ما يتمناه
الشعشعي وكنى عنه بالسمن المحفوظ لا يمكن الوصول إليه فتلك المرأة وراءها من
يحتميها رجال أشداء لا يستطيع أحد التعدي على نسائهم . ولعلي أضيف قصة رويت لي أن
ملعبة شبك أقيمت في منزل شخص يدعى ( سعدي ) وشاهد الشاعر فتاتين بارعتي الجمال
قادمتين إلى الملعبة فقال على الفور :
افتحوا المصراع
جتكم الثيران مقرونة
..
واندروا الرباع
بيت سعدي لا تهدونه
يطلب الشاعر من الناس فتح المصراع
للقادمتين حيث أقبلتا متلازمتان وشبههن بالثورين المقرونة بالضمد ( المقرنة ) عند
الحرث ولا يستغرب هنا تشبيه الشاعر الفتاتين بالثورين فالرجل ابن بيئته ولعلنا
نذكّر بقصة الشاعر علي بن الجهم عندما أقبل من البادية ومدح الخليفة بقوله:
أنت كالكلب في حفاظك للود ....
وكالتيس في قراع الخصوم
ونعود إلى شاعرنا الذي طالب اهل
الملعبة النزول إلى الرباع أي الساحات القريبة من المنازل حتى لا ينهدم بيت مضيفهم
من شدة اللعب وقوة اللعابة .
ختاما :
أكرر أن هذه العادات القديمة انتهت
بفضل الله تعالى ثم بفضل الدولة السعودية المباركة التي نشرت العلم وقضت على ما
كان مخالفاً للعقيدة . نسأل الله أن يديم على وطنناً أمنه وأمانه في ظل قيادتنا
الحكيمة .
والله ولي التوفيق.
كتبه /
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الدمام
1445 هـ 2023 م .
.................
نشرت في صحيفة النهار السعودية على الرابط :
عادات كانت فانقرضت (annahar-news.com)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق