الأحد، 23 سبتمبر 2012

حب الوطن في يوم الوطن

بسم الله الرحمن الرحيم

يعيش أبناء مملكتنا الغالية هذه الأيام فرحة الإحتفال بيوم الوطن وهي الذكرى الغالية ليوم توحيد الوطن ولم شتات القبائل المتصارعة المتنازعة التي كانت تعيش غالباً على النهب والسلب ويعم أرجاءها الفقر والحاجة فقيض لها الله عز وجل الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي استطاع بعونه تعالى جمع القلوب وتوحيد الصف وتوجيه المجتمع الى الطريقة الصحيحة لتحقيق النماء ثم البدء في العمل منذ ذلك الحين..

إن من يرى المملكة العربية السعودية بمساحاتها الشاسعة وتضاريسها القاسية والتنوعة بين صحراء قاحلة وجبال صعبة يرى التطور والنماء والمشروعات التي لم يخل منها جزء من هذه البلاد .. ومن يقارن بين كل هذا وبين الماضي يعلم مدى الفرق الشاسع الذي حققته التنمية في وطننا فقد أصبحت القرى مدنا والهجر بلدات بعد إن كانت الحاجة و العوز تلف الجميع , وانتشرت الجامعات في جميع مناطق المملكة بعد أن كان الجهل يعم أرجاء الجزيرة..

إن الفرحة والاحتفالات بهذه المناسبة حق للجميع مواطنين ووافدين فالوطن يضم الجميع , إلا أن هذه الإحتفالات لايجب أن تتجاوز حد الاحتفال , فالفرحة لا تعطي الحق بالتخريب أو مضايقة الآخرين , والاحتفال لا يعني الهدم .. إن تخريب الممتلكات العامة أو الخاصة لا يدخل في إطار الإحتفالات ولايمكن أن يقوم بمثل هذه الأعمال إلا جاهل أو ناقم أو مجنون .

دعوة لكل أبناء الوطن للاحتافل بهذه المناسبة بكل حب للوطن مع التذكير بأن حبك لوطنك هو أن تعطي وأن تبني وأن تشارك في التنمية وتقاس الأمم بمقدار عطاء أبنائها لأوطانها .

نسأل الله أن يحفظ على وطننا أمنه وأمانه في ظل قيادته الحكيمة ,والله الموفق .



........
نشر في صحيفة مكة الالكترونية يوم الأحد 7/11/1433هـ الموافق 22/9/2012 م ..
http://www.makkahnews.net/articles.php?action=show&id=1444

الجمعة، 21 سبتمبر 2012

العمل الإجتماعي ومشاركة الجميع


بسم الله الرحمن الرحيم
العمل الاجتماعي ومشاركة الجميع
يعتبر العمل الإجتماعي من فضائل الأخلاق ومن كمال المروءة حيث أن منه القيام بحوائج الناس ومساعدتهم , وكان العرب قديماً يهتمون بمثل هذه الأمور فمنهم من يبذل المعروف ويصطنعه ومنهم من يسعى بالإصلاح بين الناس ومنهم من كان يسعى على اليتيم والأرملة وبعضهم كان يتولى إيقاد النار في ليالي القحط حتى يعلم المسافر والمحتاج أن هناك من سيعمل على مساعدته وإطعامه , وقد خلد الشعر الكثير من هذه الفضائل وأعمال الخير منها قول  القائل :
إذا أخمد النيران من حذر القرى  ......  رأيت سنا ناري يشب اضطرامها
وقصة هرم بن سنان في بذل الوجه والسعي بالإصلاح بين قبائل العرب وتحمل الديات في قتلى عبس وذبيان ليطفيء أوار حرب داحس والغبراء التي قضت على أرواح كثير من أبناء االقبيلتين وقد خلد فعله هذا زهير بن أبي سلمى في معلقته وقصائد أخرىحفظتها كتب الأدب .. ويتبادر في مجال العمل الإجتماعي الذي خلدته كتب التاريخ وامتدحت فعله قصة هاشم بن عبدمناف  حين قرر قرشي من بني مخزوم أن يعتفد مع أفراد أسرته بإغلاق باب بيته عليه وعلى أسرته حتى الموت جوعاً وعطشاً متعفاً عن السؤال ( والإعتفاد عادة جاهلية قديمة يفعلها من تضيق به الحال ويتعفف عن السؤال ) , فعلم هاشم بذلك فاجتمع بقريش وطلب منهم إغناء ذلك الرجل ففعلوا, ثم  نحر هاشم البدن وذبح الذبائح وهشم الثريد لإطعام الناس فسمي هاشماً لذلك .
عمرو الذي هشم الثريد لقومه  ....... ورجال مكة مسنتون عجاف
الخالطين فقيرهم بغنيهم  ....... حتى يعود فقيرهم كالكافي
وجاء الإسلام مشجعاً على فعل الخير واستكمال فضائل الأخلاق وامتداح ماكان حسناً في الجاهلية ومن ذلك ماقله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن حلف الفضول : ( لقد شهدت حلفاً في دار ابن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت ) , وقد كان هذا الحلف نوعاً من العمل الاجتماعي حيث إن من بنوده الاتفاق على مساعدة الفقير ورد  المظالم وإعادة الحقوق إلى أصحابها .
إن مايتميز به  العربي أنه مفطور على حب مساعدة الآخرين ومد يد العون لهم ونجدة المستغيث أياً كان وإغاثة المنكوبين مماحل بهم فجاء الإسلام لينمي هذا الخلق العظيم وينظمه ..ورد في مقدمة ابن خلدون عن العرب ( أن أهل العصبية دائماً يتنافسون في الخير وخلاله من الكرم والعفو عن الزلات , والاحتمال من غير القادر, والقرى للضيوف , وحمل الكل, والصبر على المكاره ,والوفاء بالعهد , وبذل الأموال في صون الأعراض, وتعظيم الشريعة والانقياد إلى الحق, والتواضع للمسكين , واستماع شكوى المستغيثين , والتجافي عن المكر والخديعة ونقض العهد , وتلك خلق السياسة فقد حصلت للعرب فاستحقوا أن يكونوا ساسة لمن تحت أيديهم , وإنه خير ساقه الله إلى العرب, وأن الله تأذن لهم بذلك ) .
وليست أهمية العمل الجماعي  مخصوصة بالانسان بل إن مخلوقات الله الأخرى كالنمل والنحل التي تعتبر أشد تعاوناً وانضباطاً وتضحية من  الفرد لأجل الجماعة .
إن جلائل الأعمال وعظيمها لا يتحقق إلا بالعمل الجماعي المنظم فالارتباط بالجماعة يزيد القوة والإنتاجية ونعلم أنه إلى عهد قريب كان آباؤنا يتعاونون فيما بينهم في القُرى بما يسمى ( العَمْلة – بفتح العين وتسكين الميم ) حيث يجتمع أبناء القرية لمساعدة أحدهم في بناء مزرعه أو تنظيف بئر أو حصاد أو طينة سقف أو غيرذلك .. وهناك من الزجل الجميل الذين كانوا يرددونه جماعياً لتكريس هذا النوع من التعاون في العمل :
يالله يامحيي العظام اللي هشيمة  ..... تقطع الرأس الذي مافيه شيمة
و نعلم في العصر الحديث أن الحكومات في أي دولة كانت غنية أو فقيرة , متقدمة أو نامية لاتستطيع لوحدها على سد إحتياجات أفرادها ومجتمعاتها ولابد من تعاون أبناء المجتمع لمساندة الحكومات وتطوير مجتمعاتهم وهناك عدد كبير من المنظمات الأهلية غير الحكومية التي تسعى إلى تنظيم الأعمال التطوعية في المجتمع , ولا يقتصر العمل الإجتماعي والتطوعي على المؤسسات وليست حكراً عليها فالكل يستطيع المساهمة في ذلك والقيام بدور فيه , وحريٌّ بكل فرد في المجتمع المشاركة في أي عمل تطوعي إجتماعي يرى نفسه قادراً أو يستطيع المشاركة فيه دون أن ينتظر وراء ذلك مردوداً مادياً بل السعي إلى كسب الأجر والمثوبة من الله  , وإن حصل على عائد من حوفز أو جوائز أو مكافآت فليس في هذا منقصة لعمله .. والأعمال الإجتماعية مجال واسع رحب لا يمكن تحديده وإنما الإشارة إلى بعض جهاته كالجمعيات الخيرية , واصدقاء المرضى , ومساعدة المحتاجين , والشفاعة الحسنة وايصال صوت المحتاج , والسعي في الإصلاح بين الناس , وجمع الديات , والتعاون في مجالات مكافحة المخدرات والفساد والرشوة وغيرها ويمكن الاستفادة من مواقع التواصل الإلكترونية لتنظيم مثل هذه الأعمال لتعود بالنفع على المجتمع ككل .
إن المشاركة في الأعمال الاجتماعية تجعل من الفرد عضواً فاعلاً في مجتمعه ويحس بقيمته ودوره في صنع مجتمع مترابط محب متكاتف ..
والله ولي التوفيق .
كتبه /
العميد الركن م / علي بن ضيف الله بن خرمان الزهراني
الجمعة 8/9/1433هـ الموافق 27/7/2012م .