عسل الجماخير
سأتحدث في مقالي هذا عن قصيدة شعبية
من نوع الشقر المتبع في قصائد العرضة الجنوبية و تعتبر هذه القصيدة من عيون الشعر
الجنوبي لما فيها من الصور والحكم، وقد نسبت القصيدة لأكثر من شاعر منهم الشاعر
سعيد بن محمد المكسر رحمه الله من بالحكم، والشاعر علي بن عثمان الجبلي الغامدي
(حسب رواية الشاعر خالد غنيم)، والشاعر أحمد الخريطة من قرية الجوفاء (حسب رواية
عبدالعزيز بن ساري)، ورويت لغيرهم من الشعراء وأميل شخصياً إلى رواية الشاعر خالد
غنيم أنها للشاعر علي بن عثمان الجبلي، والله أعلم .
القصيدة:
البدع :
ضل عقل الذي قال الجماخير تنتج لي عسل
والجماخير ما تاجي يعاسيب وان كانت
كثيرة
عشره ما تجي يعسوب والنحل ما يرضى
بها
والعساكر بلا سلطان ما يستوي منها
حكومة
والبنادق بلا رماي ما ينتثر منها دمي
يا خسارة على اللي يشتري بندقه ماهو
برامي
كلما جا بيرمي الا ان عينه ترامش
هدبها
الرد:
اينحن ما نبيع القالة باثمان يا طماع
سل
وانت لابد تندم حين تصبح علوم منك
ثيرة
وان حملت الزعم يومين فالحادبة ترضى
بها
وان فتلنا الرشد ما ظنتي واحد(ن)
ينقض حكومة
يوم صور(ن) لنا يبنى وصور العدو
متهادمي
ما خبرنا الحناشه تأخذ السم ّ من روس
البرامي
وانا لو كان ما عندي شهادة ترى ما
اشهد بها
قال ابن خُرمان:
يتحدث الشاعر في البدع عن خطأ من
يتوقع أن العسل تنتجه (الجماخير) وهي نوع من النحل وظيفتها حماية الخلية من
الاعتداءات وحراسة الملكة بينما من ينتج العسل هو النحل العاملات، وهذا كقولهم :
(إنك لا تجني من الشوك العنب)، ويؤكد الشاعر أن هذه الجماخير وإن كانت كثيرة حول الخلية لا يمكن أن
تكون يعاسيب، والمقصود باليعسوب الذكر الذي يتزاوج مع الملكة ويقود النحل، وقد ورد
في لسان العرب لابن منظور (اليعسوب : أمير النحل، واليعسوب : السيد والملك والرئيس
والمقدم)، ويضيف الشاعر أن عشرة جماخير لا يمكن أن تكون يعسوبًا فالنحل لن يرضى
بها.
وينتقل الشاعر بعد ذلك إلى لب
القصيدة وهو قوله :
والعساكر بلا سلطان ما يستوي منها
حكومة
فكثرة العساكر دون سلطان أو قائد لا
يكون منها حكومة ودولة وإنما فوضى
ويشبه قوله هذا قول النابغة الجعدي:
ولا خير في جهل إذا لم يكن لهم
حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
ثم يضيف شاعرنا أن البنادق مهما كانت
جودتها وكثرتها مالم يكن لها رامٍ جيد فلن تصيب الهدف ولا تكسر شوكة العدو:
والبنادق بلا رماي ما ينتثر منها دمي
وأخيرًا ينتقل الشاعر إلى أنه من إذا
قام بالأمر غير المتخصص فلن تكون له نتيجة إيجابية، وإذا وضع الأمر في غير أهله
فالنتيجة الفشل فينتقد من يشتري بندقة وهو
لا يعرف الرماية فيقول :
يا خسارة على اللي يشتري بندقه ماهو
برامي
كلما جا بيرمي الا ان عينه ترامش
هدبها
قال ابن خُرمان:
ينتقل الشاعر في الردود إلى الفخر
بنفسه وربعه وأنهم شجعان شرفاء كرماء لا يبيعون ( القالة ) والتي تعني الكرامة
والصيت والسمعة الحسنة مهما كان الثمن ولك أيها الطماع أن تسأل إن كان يساورك
الطمع فينا أو فيما عندنا :
اينحن ما نبيع القالة باثمان يا طماع
سل
ثم يؤكد أن كل من يتجرأ على الإعتداء
أو حتى حديث النفس بذلك سيندم لا محالة، وإن حمله الغرور على خلاف ذلك فسيضطر إلى
التخلي عن ذلك :
وانت لابد تندم حين تصبح علوم منك
ثيرة
وان حملت الزعم يومين فالحادبة ترضى
بها
ويستمر الشاعر في الفخر بقومه وأنه
لا أحد سينقض حكمهم ويخالف قولهم إذا عزموا على أمر، ثم يشير إلى أن عدوهم خاسر
فيما هم منتصرون كما اعتادوا ذلك :
وان فتلنا الرشد ما ظنتي واحد ينقض
حكومة
يوم صور لنا يبنى وصور العدو متهادمي
يذكرني هنا بمعلقة عمرو بن كلثوم التي
قال فيها :
أبا هند فلا تعجل علينا
وأنظرنا نخبرك اليقينا
بأنا نورد الرايات بيضا
ونصدرهن حمرا قد روينا
ويأتي أخيرًا إلى تأكيد أن قومه
شورهم ورأيهم من روسهم ومن حكمائهم ويشبههم بالحناشة وهي الثعابين التي لا تحتاج
إلى استعارة السم من غيرها مشيرًا إلى خطأ ما كان يقال: ( أن الثعابين تستسقي سمها
من البرمة وهي نوع من السحالي الصغيرة والزواحف غالباً ماتكون غذاءً للثعابين فكان
بعض من يشاهدها يعتقد أنها تضع في فم الثعبان سمًا )، ثم يؤكد الشاعر أنه لو لم
يعرف هذه الحقيقة لما شهد بها :
ما خبرنا الحناشه تأخذ السم ّ من روس
البرامي
وانا لو كان ما عندي شهادة ترى ما
اشهد بها
ختامًا:
كما ذكرت في بداية المقال أن هذه
القصيدة من عيون القصائد التي فيها الفخر والحكمة وقوة السبك وتعتبر من الشواهد
الشعرية في شعر الشقر الجنوبي .
أتمنى أن يكون حالفني التوفيق في
شرحها وإيصال مقاصدها .
والحمد لله رب العالمين .
كتبه /
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
شفا بالحكم – المندق – الباحة
5-8-2025 م الموافق 11-2-1447 هـ .
.......
نشرت في صحيفة النهار السعودية على الرابط :
https://annahar-news.com/news/single/24629
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق