السبت، 25 نوفمبر 2023

إلى ابن خرمان مع التحية ..

 بسم الله الرحمن الرحيم


أكرمني أخي وصديقي ورفيق طفولتي وصباي ( العميد عبدالرزاق بن محمد عبوش الزهراني ) بهذا المقال في صحيفة مكة الإلكترونية بعنوان ( إلى ابن خرمان مع التحية ) أنقله هنا كما كُتِب في الصحيفة .


إلى ابن خرمان مع التحية..

بقلم / عبدالرزاق بن عبوش

 

بسم الله والحمد لله… والصلاة والسلام على نبيه وآله..

 

قالت العرب رب أخ لم تلده أمك! .. لا أعرف في حياتي حتى شقيقين من ظهر وبطن ارتبطا ببعضهما كارتباطي برفيق دربي وشقيق معاناتي وصنو صباي المعلم القائد الأديب الأريب علي بن ضيف الله آل خرمان عليه وعلى والديه السلام. فابن خرمان (وسألتزم بهذه حتى آخر المقال) مع احترامي لوالدي الغالي المهندس ضيف الله بكر بن خرمان -حفظه الله-..

أقول وبالله التوفيق إن ابن خرمان وإنا عشنا زمنًا جميلًا جدًا.. فهذا اليتيم (الضارب في أطناب المجد من أمه وأبيه رحمهما الله تعالى) الذي أمي تغمدها الله بوسع رحمته. هي عمته ابنة عم أبيه من دم ولحم وعظم، لم يشعر هذا اليتيم في كنفها باليتم وكان يناديها ولا زال برًا واحترامًا (أمي خضراء) وأما والدي والذي كان كافل ابن خرمان منذ صغره؛ فلم يشعر علي باليتم أيضًا رغم أنه دخل تحت كنف كافله طفلًا، وكان ولا زال يناديه احترامًا وبرًا بأبي عبوش (في الابتدائية) كانوا يسألون ابن خرمان إيش اسمك فيقول علي ضيف الله.. ولد من؟ ولد عبوش، وأكاد أجزم أن ابن خرمان أكثر برًا وحبًا لأبي وأمي منا نحن أولاد الظهر والبطن. والدي كان رجلًا ذا نظرة ثاقبة، وكان يرى في ابن خرمان مستقبلًا جميلًا، وفوق ذلك كنا كشقيقين وأكثر وكان والدي رجلًا حازمًا في غير قسوة يشكر الجميل، ويعاقب علي ضده عقابًا لا يصل إلى الإيذاء. أبي -رحمه الله- مربٍّ عجيب؛ وكأنه طبيب نفسي فقد دخل إلى قلب ابن خرمان وقلبي وكأنه مهندس كمبيوتر فعمل فرمته وأعاد البرمجة حسب ما يراه فأقنعنا أننا لسنا كغيرنا من أندادنا في القرية وزملائنا في المدرسة فغيَّر نظرتنا لأنفسنا وجعل منا مكدة عمل في رعاية حلاله، والعمل في بلاده، وحرصًا على التفوق الدراسي.. كان لديه حديث عجيب يلقيه علينا وتوجيهات منضبطة نلتزم بها ونجني نتائجها.. لم نكن ملائكة بل كنا (أشطن) اثنين ولكن باحترافية لا زلت أتعجب منها..

رعاية الغنم والحلال جمل وبقر ومشدود علمتنا أشياء كثيرة.

كان عند والدي مهارات لا زلت وابن خرمان لم نفك شفرتها إلى الآن ألا وهي التخبي إلى أن وصل الحد بأننا نتهمه بالسحر فكنا إذا عرفنا أنه سيأتي يتفقدنا يتعين أحدنا لمراقبته 360 درجة ولكننا نتفاجأ به بين الغنم أو طرف البلاد التي نحميها؛ وكأنه خرج من تحت الأرض.

وبالرغم من هذا الرجل الصارم الذكي الحازم الذي كانوا أهل القرية يقولون عبوش إذا صرح الوادي شردت الجن.. برغم ذلك إلا أن ابن خرمان وأنا احتلنا عليه وتمردنا كثيرًا بذكاء أكاد أشك أنه كاشفه ولكنه يتغافل حتى يشجعنا، ولا يتسع المجال وربما لا يسمح أخي ببعض السرد.. وإن سمح مستقبلًا فأعدكم به.. ليس فارق السن بيني وبين أخي كبيرًا، وربما يكون لصالحه ولكن التحقت بالمدرسة بعده بسنتين، وفي الصف الثالث مرضت فلم أذهب إلى المدرسة إلا وهو متخرج من الابتدائي والتحق بالمتوسطة في النصباء، وبقيت هذه الثلاث العجاف بيني وبينه حتى التقاعد. كان ابن خرمان وأنا شغوفين بالقراءة، نقرأ بنهم كل ما يقع تحت أيدينا وكنا نتسابق في سلامة النطق وسرعة القراءة وجراءة الإلقاء. لم نتجاوز المرحلة المتوسطة حتى أتينا على خزعبلات العرب كلها عنتر بن شداد سبعة مجلدات وسيف بن ذي يزن سبعة مجلدات وسيرة بني هلال كتابان لا يقل الكتاب عن 500 صفحة والزير وحمزة البهلوان وقيس والكثير غيرهم، وكنا نتقمص الشخصيات ونقلد الأفعال ونحفظ الأشعار ونسمي الحبيبات بأسماء حبيبات الأبطال فهذه عبلة وهذه جليلة وهذه علياء، وهكذا بل سمينا مواشينا بأسماء مواشيهم فجملنا عبلان جمل كليب وحمارتنا أجلكم الله النعامة فرس بن عباد وثورينا أحدهما عيروض والآخر فرحان وهما عفريتان من الجن كانا يجران عرش الملك سيف بن ذي يزن كما يزعم المؤلف.. كان لأبي -رحمه الله- أشياء خاصة لا يسمح بأي حال من الأحوال بالمساس بها منها فأسه وجنبيته وعصاته وراديو فيلبس كان يستمتع بسماع الأخبار والبادية، ومع المزارعين وخطب الملك فيصل التي كانت تُذاع كل ظهيرة في برنامج سعودي اسمه دعوة الحق يقدمه القدير بدر أكريم.

كنا نسترق الراديو ونذهب به إلى فراشنا، ونحرص كل الحرص على برنامج كان يُذاع من الإذاعة العربية في لندن، يتسلطن فيه المذيع الكبير جميل عازر.

وكم تمنيت أنني لم أره في قناة “الجزيرة”؛ حيث إنني كنت راسمًا له صورة في مخيلتي، ومع ذلك كم تقمصت صوته وقلدت إلقاءه وحتى كنت أتعمد تغير نبرة صوتي، وكان البرنامج أدبًا صرف شعرًا ونثرًا، يذيع قصائد “نزار قباني” جديد بجديد وكان يخصص آخر عشرين دقيقة لكَوكب الشرق سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وكم كان أبي ينهرنا حتى نقفل الراديو وننام. كان ابن خرمان مرتبًا ودقيقًا وأنيقًا في كل شيء بينما كنت أنا على طرف نقيض عبثي مهمل. بينما كان هو آلة حاسبة ما شاء الله لا قوة إلا بالله. متفوقًا في كل شيء يحب العلوم والرياضيات، ويعتمد على ذكاء حاد، كنت أنا أكره الأرقام عدا الهندسة. كنت أنا مسجلًا أتفوق في ذاكرة صلبة لا أكاد أنسى ما أسمع أو ما أقرأ. إلا أنها ضحلت وكلت ولله المشتكى.

كان تاثير ابن خرمان عليَّ كتأثير سيدنا موسى على هارون -عليهما السلام- (مع فارق التشبيه)؛ فما كنت أتخيل نفسي إلا مدرس لغة عربية أو مذيعًا كجميل عازر، ولكن سحر ابن خرمان وتأثيره ذهب إلى العسكرية…. وليتني مُت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا.

 

...............................

 نشر المقال على الرابط :

https://www.makkahnews.sa/5373283.html

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق