السبت، 21 أكتوبر 2023

أبعدوا المهاترات الشعرية عن حفلاتنا

 أبعدوا المهاترات الشعرية عن حفلاتنا

 

يعتبر الهجاء ضرباً من ضروب الشعر العربي قديمه وحديثه منذ العصر الجاهلي ، ووقع الهجاء في الشعر بين شعراء المسلمين وشعراء الكفار من قريش وغيرها من القبائل التي ناوأت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن الشعراء المعروفين الذين دافعوا عن المصطفى حسان بن ثابت و عبدالله بن رواحه وكعب بن مالك رضي الله عنهم ، وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنهم ( هجاهم حسان فشفى واشتفى ) وقال عن ابن رواحه ( اللهم ارحمه ) وقال لكعب ( أهج قريشاً فإنه أشد عليهم من وقع النبل ) ، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استمر بعض الشعراء في الهجاء ومن ضمنهم الحطيئة الذي هجا الزبرقان بن بدر بقوله :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فاشتكاه الزبرقان إلى عمر رضي الله عنه واستعان بحسان ليرى حقيقة الهجاء فرد عليه حسان بالقول أنه هجاه وأقبح به . ولم يسلم من الهجاء حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنه فقد هجاه ابن فسوة الذي كان حليفاً لجميل بن معمر القرشي بقصيدة منها الأبيات التالية :

أتيت ابن عبّاس أرجّى نواله ... فلم يرج معروفى ولم يخش منكرى

وقال لبوّابيه: لا تدخلنّه ... وسدّ خصاص الباب من كلّ منظر

وتسمع أصوات الخصوم وراءه ... كصوت الحمام فى القليب المعوّر

فلو كنت من زهران قضّيت حاجتى ... ولكنّنى مولى جميل بن معمر

وكان ابن عبّاس تزوّج امرأة بالبصرة من زهران، يقال لها شميلة.

ولعل أشهر ما حفظته لنا كتب الأدب في الهجاء النقائض بين جرير والفرزدق وغيرهما من الشعراء في حينه ، ومع هذا كله فقد كان كرام الشعراء يأنفون عن قول بذيء الكلام ونذكر هنا قول الشاعر الأخطل و كان نصرانياً : ما هجوت أحداً قط بما تستحي العذراء أن تنشده أباها .

قال ابن خُرمان:

رغم أن شعر الهجاء كان منتشراً وأحد أغراض الشعر إلا أنه لم يكن في حفلات تجمع الناس وإنما قصيدة يقولها الشاعر فتنتشر بين الناس .

أما شعر الشقر الجنوبي ولعلي أخص في الكلام هنا ( شعر قبائل زهران ) فلا ننكر وجود بعض قصائد الهجاء التي قالها بعض الشعراء وانتشرت وغالبها تكون رمزية ودون أن تقال في حفلات وهناك قصائد قيلت في حفلات ولكنها هجاء في أعداء الوطن ودفاعاً عن الوطن وقيادته .

حدث في بعض الحفلات المتأخرة أن حاول بعض الشعراء تجاوز الحدود المقبولة أثناء محاوراتهم مع شعراء آخرين لكن وقف دون تماديهم اتفاق الشعراء الكبار بعدم مسايرتهم في قولهم وعدم حضور الحفلات التي يحضرونها حتى اعتدلوا عن طرق الألفاظ البذيئة ، كما أن العقلاء من أصحاب الحفلات يوقفون الحفلة ويسكتون من يحاول تجاوز الأدب والنزول بألفاظ قصائده .. ولعله من المفيد هنا أن أذكر أن بعض الشعراء من خارج زهران ممن لديهم متسع في قبول المهاترات إذا حضر الحفلات يلتزم بأدبها ويتبادر إلى الذهن حادثة قبل عقود وفي إحدى حفلات زهران حضر من خارج المنطقة شاعرٌ ممن يعد من كبار الشعراء لكنه ينزل أحيانا في شعره عن مستوى القبول من اللفظ وعندما حاول قول قصيدة نابية الألفاظ أثناء المحاورة صاح عليه الجمهورولم يقبل قوله  ثم أخذ الميكرفون الشاعر الكبير الدكتور ( عبدالواحد الزهراني ) وقال لذلك الشاعر : أن حفلات زهران ورجال زهران لا يقبلون مثل هذه القصائد ولك أن تستمر معنا بقصائد بعيدة عن سوء الألفاظ أو أن تجلس ضيفاً محترماً لك المعزة والتقدير فاستمرت الحفلة بعد ذلك في غاية الجمال . ويمتاز شعراء زهران بإحترام اصحاب الحفل والحضور وزملائهم وقل ان نجد بينهم الفاظ نابيه ، ودائماً ما يدعون الشعراء الآخرين إلى تجنب ما قد يسيء إلى موروثهم الجميل فهنا الشاعر الكبير (عبد الله بن عيضة البيضاني الزهراني ) يقول في قصيدة له أنه لن يرضي الجاهل وبعض الجمهور محبي المهاترات فينزل بالقول إلى ذم الآخرين فقد أمضى في نظم القصائد حينها عقوداً دون أن يسيء لأحد ، ثم يقول أخيراً أنه يفضل ترك القصائد على أن ينزل بمستوى ألفاظها ويسيء للآخرين :

 انا ماجيت ارضي الجاهل واشمت بالرفيق

وانا لي عشرين عام انظم بيوت المعرفات

ماتشرهني القصايد من خوي والا ولد عم

ربما ترك القصايد خير من شرهاتها

أما شاعر الحكمة الشاعر الكبير ( صالح بن محمد اللخمي الزهراني ) فله عدة قصائد يدعو إلى الرقي بمستوى شعر العرضة نختار منها هذه القصيدة التي ينصح فيها زملاءه الشعراء فيقول أنه لا يتمنى من الشامتين الضحك على الشعراء إن ساءت ألفاظهم وتجاوزوا حدود الأدب في قصائدهم ويشير إلى أن القصائد إن تعدت حدود القول المقبول تفقد رونقها ومعناها وإن ناسبت بعض الجمهور: 

والله ياشعار مـاودي علينـا يضحـك الشّمـات

الخطا ممنوع والزلات ما تصدر من اللي ونعـم

والقصايـد لاتعـدت حدهـا تفـقـد بريقـهـا

ثم يضيف شاعرنا في قصيدته أن العرب لا يتناقلون في مجالسهم ومحادثاتهم إلا الكلام الطيب ويشيرون إلى قائله بالقول الجميل بينما في الطرف الآخر ينسب الكلام السيء إلى السيء من الشعراء حيث يتبادر إلى الذهن كل شاعر بما اعتاد منه الناس:

والعرب ما يذكرون الطّيـب إلا بالكـلام الطّيـب

والكلام الشّين مايتقـدّر إلا مـن قباح النـاس

ولا ينسى شاعرنا أن ينبه الشعراء الآخرين إلى كبار الشعارء الذين قضوا إلى رحمة الله فلم تنسب لهم قصائد شتائم وسباب بينهم أو لآخرين رغم أنهم كما يذكر الشاعر رموز أقوى وأفضل من شعراء جيله:

والرموز اللي مضوا قدامنا شعّـار(ن) اقـوى منـا

غير ماتوا مانقل عنهم سبـاب ولا كـلام(ن) شيـن

وأخيراً يدعو الشاعر نظراءه إلى الاهتمام بمعاني القصائد وقول الشعر الذي تفتخر به قبيلتهم وتعتز بنقله للآخرين ، ثم يضيف أن بعض الشعر من حكمته وجماله يشجع صفوف العرضة و يطرب السامعين ويشجع الرواة لنقله ويوضح في نهاية القصيدة أن القصائد معرفة تنبع منها الحكمة والقول الطيب وليست مجرد صف أقوال لا معنى لها:

خيرة الله احكموا نظم القصايد واعتنوا بالمعنـى

وانقلوا علم(ن) يجمل من محافـل داعيـة زهـران

وان بعض الشعر حكمة يطرب الخيال والعرّاضه

والحقيقة أن القصايـد معرفـه ماهـي مقاولـه

قال ابن خُرمان :

هذا ما دعا إليه كبار شعراؤنا أن يرتقي الآخرون بالشعر وكانوا هم القدوة في اختيار الجميل من القصائد وعدم الانجرار وراء المهاترات وطاعة من يريد تشويه صورة الموروث  ، ونطالب معهم شعراءنا الأفاضل بالتزام أدب الحفلات واحترام الآخرين وتجنيب حفلاتنا المهاترات والسقوط بالمحاورات الشعرية إلى ما يسيء إلينا جميعا.

ختاماً: اقتصرت مقالي على شعر زهران دون انتقاص في القبائل الأخرى والذين لديهم من الشعراء والقيمة الشعرية ما قد يفوق ما لدينا.

والله ولي التوفيق.

 

كتبه /

علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني

الباحة – المندق

11-10-2023 م الموافق 26-3-1445 هـ.


.........................

نشرت في صحيفة النهار السعودية على الرابط :

أبعدوا المهاترات الشعرية عن حفلاتنا (annahar-news.com)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق