الجمعة، 18 أغسطس 2023

مهلة انتظار .. أم هجران ؟!

بسم الله الرحمن الرحيم


 لا يزال شاعر الغزل الجنوبي ملك شعر طرق الجبل ( أحمد بن جبران الزهراني ) يبهرنا بقصائده ، فكلما اطلعت على إحداها تثور مخليتي وتتداعى الصور والمعاني إلى الذهن بل أن الفكر يتشتت أحياناً في محاولة فهم مقصد الشاعر.. وسيكون حديثي حول هذه القصيدة التي وجدتها في الديوان الذي جمعه الأستاذ ( محمد بن زياد الزهراني ) :

أمهلت لك يا راعي الحناء في الايسار (١)
مهلة ماهي بساعة
مهلة طويلة بالسنة والشهر والدور
واعطيك المهلة بمقدور
مهلة طويلة لا تبيح ولا تيسني (٢)

 
الرد:
حتى تظلي الدركة أشكل من بني سار (٣)
والعيص أشكل من رفاعة (٤)
وايل شبل تكسع كما محوية بالجور (٥)
والصيام يرجع بعاشور
وفوق أبو سمراء يميل ونيس يسني (٦)

 
قال ابن خُرمان : أدخلنا الشاعرفي جو القصيدة مباشرة ودون أن يبدأها بما اعتدنا عليه في أغلب قصائده بقوله ( قال أحمد أم جبران ) ، بدأ بوعد أن يمهل المحبوبة والتي أشار إليها براعي الحناء في اليد اليسرى ولم يسمها كعادة شعراء المنطقة في احترام المرأة فيقول:
أمهلت لك يا راعي الحناء في الايسار
ثم يوضح أن المهلة ليست قصيرة تحسب بالساعات ولكنها مهلة طويلة جداً تحسب بالسنوات :
مهلة ماهي بساعة
مهلة طويلة بالسنة والشهر والدور
واعطيك المهلة بمقدور
ثم يوضح في آخر بيت أنها طويلة بلا نهاية ودون يأس :
مهلة طويلة لا تبيح ولا تيسني
ويواصل شاعرنا في الطرف الثاني من القصيدة ( الردود ) ومن البيت الأول حتى نهاية القصيدة في شرح مدى ومدة هذه المهلة الطويلة جداً فيأتي بالمستحيلات من وجهة نظره فيقول لن تنتهي هذه المهلة حتى تصبح بعض القرى الصغيرة في أحجامها مثل القرى الكبيرة حينها ( وللإيضاح فالمقصود صغر المساحة أو اتساعها ولا يعني التشبيه هنا الرجال )  مثل أن تكون قرية الدركة الصغيرة في حجمها أكبر من قرية بني سار الكبيرة أو أن تكون قرية العيص أكبر من رفاعة في غامد أو أن تصبح قرية آل شبل في كبر قرية محوية فيقول :
حتى تظلي الدركة أشكل من بني سار
والعيص أشكل من رفاعة
وايل شبل تكسع كما محوية بالجور
ثم يكرر الشاعر أن هذه المهلة ستستمر حتى يكون الصيام في شهر عاشور ( المحرم ) بدلاً عن شهر رمضان المبارك وهذا تأكيد منه في إيضاح طول هذه المهلة وأنها بلا نهاية:
والصيام يرجع بعاشور
ثم يختم قصيدته باستمرار مدة المهلة والانتظار حتى يصبح الحيا والعشب يغطي أبو سمرا المجدبة بينما جبل نيس المشهور والذي لا يخلف مطره عادة يعود جافاً:
وفوق أبو سمراء يميل ونيس يسني
 
قال ابن خُرمان : بعد أن نظرنا إلى القصيدة وشرحنا معانيها يتبادر إلى الذهن التساؤل هل نعتبر هذا وعد منه بانتظار طويل بسبب العشق وقد ينطبق عليه قول جميل :
واقسم لا أنساك ما ذر شارق *** وما هب آلٌ في ملمعة قفر
وهل ما فعلته المحبوبة من الهجران كان سبباً في إعطاء هذه المهلة الطويلة فيشبه حاله حال العباس بن الأحنف القائل :
تحصنت بالهجران حصناً من الهوى *** ألا كان ذا من قبل أن تمرضي القلبا
وهل ينتظر رؤيتها كحال العباس كذلك في قوله :
إني لآمل أن أراك وإنني *** من أن أموت ولا أراك لخائف
إلا أننا إذا نظرنا إلى طول مدة هذه المهلة من الشاعر أحمد بن جبران يتبادر لنا الإحساس أن ما قام به نوع من الهجران الطويل حيث لم يعد يهتم بمدة البعد وليس في قلبه لهفة على سرعة اللقاء .. والله أعلم .
 
كتبه /
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الباحة
المحرم 1445 هـ أغسطس 2023 م

......
هوامش :
(١) الايسار : اليد الشمال .
(٢) تبيح : تنتهي.  تيسني : يصيبها اليأس.
(٣) تظلي : تصبح.  أشكل : أكبر.   الدركة وبني سار : قريتين في زهران.
(٤) العيص : قرية في زهران.  رفاعة : قبيلة في غامد.
(٥) تكسع : تعود.  بالجور : بالكبر.  ايل شبل ومحوية : قريتين في زهران .
(٦) الفوق : الحيا والعشب.  ابو سمرا : مكان. نيس : جبل مشهور في تهامة زهران.

................
نشرت في صحيفة النهار السعودية على الرابط :
https://www.annahar-news.com/news/single/2483

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق