عيد رمضان
قال الشاعر :
العيد عايد لا محالة على الناس *** لكن من العايد على العيد منا
تحدثت في مقالات سابقة عن بعض العادات والأحداث في زمن مضى قبل نصف قرن عن انتظار شهر الصيام شهر رمضان واستعداداتهم له ثم عن مشعال العيد بعد رؤية هلال شهر شوال ، وفي هذه العجالة سأتطرق إلى عيد رمضان واستعداداتهم له وهو عيد الفطر حيث كانت التسمية الغالبة قديماً ( عيد رمضان).
لم يكن استعدادهم للعيد هيناً خاصة على رب الأسرة في زمن طغى عليه ضيق ذات اليد وعدم وجود ما يكفي للحاجة عند كثير منهم خاصة من لديه عائلة كبيرة وأطفال صغار حيث يبدأ رب الأسرة في التفكير والتخطيط منذ بداية السنة لكسوة العيد لجميع العائلة كبيرهم والصغير ذكورا وإناثا فلم تكن تتيسر الكسوة إلا مرة واحدة في العام يجعلونها لعيد رمضان وتغطي الفترة إلى العام التالي بمناسباتها المختلفة وعلى كل منهم المحافظة على مالديه ويستخدم البالي من العام السابق .
يتعامل الناس مع أحد الخياطين لملابس النساء وهم قلة فيتفق معه على ألبسة عائلته التي يختلف تطريزها باختلاف السن وتوفر المادة لدى أرباب الأسر حيث كان أغلبهم يداين الخياط بانتظار ثمرة المزارع ولعل بعضهم سبقه الموت قبل أن يسدد للخياط ثمن ما صنعه لكن في مثل هذه الحالة يأتي دور التكافل الاجتماعي و ( الشيمة ) بين الناس لتسديد مثل هذه الديون ، أما الأولاد فيشتري لهم قماشا لايكاد يكفيهم لكن ( الجود من الموجود ) فيعطي هذا القماش لأحد الأشخاص الذي يمتلك مكينة خياطة لخياطة ملابس الأولاد ليقوم بذلك ، فينتظر الجميع أواخر شهر رمضان لاستلام ملابسهم والقيام بقياسها ليتأكدوا أنها ملائمة لفرحة العيد وللاستخدام سنة قادمة فتغمرهم الفرحة جميعا رغم أن ملابس الأولاد يرى فيها العجائب فأحدهم ثوبه قصير والأخر خياطه باللون الأحمر بينما القماش أبيض وبعضهم تجد أحد أكمام الثوب أطول من الآخر لكن ليس لهم إلا الرضا بما قسم الله لهم ، وفي حالة ملابس النساء فليس هناك مشاكل كثيرة في مقاساتها حيث السعة بأن تكون فضفاضة و يغلب عليها اللون الأسود أو الأحمر ، ويشترى لهن بقية اللبس من شيال ومعاصب - المعصب قطعة قماش أصفر تربط به المرأة رأسها فوق الشيلة - وسراويل طويلة وقطعة قماش تسمى ( حوكة ) تلبسها فوق الثوب ( الفستان ) لتغطي أرداف المرأة ولعلي أشير هنا إلى أن هذا الفعل من شدة حياء المرأة وعفافها حتى لا يرى الرجال تفاصيل جسدها رغم تفشي الجهل .
قال ابن خُرمان :
ونأتي إلى ليلة العيد أو الليلة السابقة له حيث تزيد الحركة وترى البيوت كأنها خلية نحل فتلك المرأة تضع الحناء على أيدي بناتها ويديها ، والأخرى تنظف البيت استعداداً للعيد ، وهناك التي تجهز الحطب استعداداً لطبخ وجبة العيد ، وتسمع الأهازيج التي تقال في مثل هذه المناسبات ومنها :
يا عيد يا عوّاد يا أبو العوايد
لهمتني ( ذكرتني ) الحنا ونظم القلايد
وعند صلاة الفجر يستيقظ الجميع لأداء صلاة الفجر ثم صلاة العيد . و بعد صلاة العيد التي تقام في المشهد ( مصلى العيد ) حيث يجتمع للصلاة فيه الرجال من جميع القرى المتقاربة يعود كلٌ منهم إلى منزلة لمعايدة أهله وتجهيز العيد استعداداً لمرور المعيدين من الجماعة.
كان الأقارب يجتمعون بأعيادهم في منزل كبيرهم تخفيفا على أهل القرية عند التنقل بين المنازل للمعايدة . تبدأ المعايدة في القرية بتجمع الأطفال لابسين حللهم الجديدة فرحين بها يتنقلون من بيت إلى بيت مشكلين صفوف عرضة يتغنون بأهازيج العيد كقولهم :
الله يعيدنا رضاه
والستر هو والعافية
وعندما يدخلون المنزل الذي به العيد يسلمون قائلين : السلام عليكم ، ومن العايدين
فيرد أصحاب المنزل : عليكم السلام وتعودون له من السالمين
يأكل الأطفال من كل طبق قليلا ليتركوا سعة في بطونهم لبقية أعياد القرية ، ثم ينصرفون قائلين : عاد عيدكم ، ويرد عليهم أصحاب العيد : تعودون له من الفايزين ، وهكذا يتنقلون من بيت إلى بيت تغمرهم الفرحة والسعادة ، يتلو الأطفال في تنقلهم الكبار يتجمعون في بيت أحدهم ويتنقلون في بقية البيوت مع بعضهم البعض لمعايدة جميع أهل القرية ، وأخيراً يأتي دور النساء اللائي يتنقلن مجموعات لمعايدة أهل القرية .
من عجائب العيد ذلك الزمن أن ترى الأطفال فرحين يغنون ويعرضون كل منهم في غاية السعادة بلبسه الجديد رغم أن بعضهم كما ذكرنا ملابسه خياطها بالأحمر أو الأسود والثوب أبيض ، والبعض لا يوجد لثوبه أزارير بل كان المشبك يزرر ثوبه ، والبعض يستخدم أعواد الخشب الصغيرة بدلاً عن الأزارير لكنهم يصنعون سعادتهم بالموجود .
بعد المعايدة يعود الجميع إلى منازلهم وغالبا ما يكون هذا بعد أداء صلاة الظهر ، ثم يرتاحون إلى بعد صلاة العصر ويجتمع الرجال في مكان الحفل المتفق عليه في القرية لأداء العرضة حيث يجتمع رجال القرى المتقاربة فتقام العرضة إلى قبيل المغرب وينتهي العيد حين ذاك حيث سيكون اليوم الثاني وما بعده قيام الرجال بالتوجه إلى قريباتهم في القرى الأخرى للسلام عليهن ومعايدتهن .
لم يكن الاحتفال خاصاً بالرجال فالنساء يتجمعن أيضاً في أحد البيوت الواسعة لأداء اللعب الخاص بهن لابسات ملابس العيد في أجمل منظر لهن فالفرحة تعم الجميع .
قد يتساءل البعض ماذا عن الحلال من غنم وبقر وهنا نوضح أن لكل قرية حمى معقود طوال العام لا يسمح لأحد بالاعتلاف أو الاحتطاب منه أو الرعي إلا بعد أن يسمح بذلك العريفة والموامين وكبار رجال القرية ، فيجتمعون إحدى الليالي أواخر رمضان فيقررون أن يوم العيد وربما يضيفون اليوم الثاني يسمح للجميع باطلاق حلالهم في الحمى ويعتبرونه عيداً للحلال كذلك فيقوم الأهالي بسوق مواشيهم فجر يوم العيد إلى الحمى ويستعيدونها قبيل غروب الشمس .
أما بالنسبة للمزارع إذا كان وقت حماية الخريف من الطير فيتركونها دون حامي يوم العيد قائلين هذا يوم العيد حتى للطير.
قال ابن خُرمان:
كانت الحياة صعبة وقاسية وكان الناس يصنعون سعادتهم بالموجود لديهم ، ونحمد الله الذي أنعم على هذه البلاد بنعم كثيرة أهمها الأمن والأمان في ظل قيادة محبوبة من الجميع وحدت الأشتات وعدلت بين المواطنين . و الله ولي التوفيق.
كتبه /علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الدمام
شوال 1444 هـ / مايو ٢٠٢٣ م .
......................
نشر في صحيفة النهار السعودية على الرابط :
https://www.annahar-news.com/news/single/1182
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق