الأربعاء، 22 مارس 2023

القافري وطرق الجبل ..

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال ابن خُرمان:

تطرقت في مقالات سابقة إلى بعض من حياة الشاعر معيض بن يحيى القافري الزهراني وضمنتها في كتاب ( قال ابن خُرمان ) كما تحدثت عنه في كتابي عن ( الشاعر صالح اللخمي ) حيث يعتبر الشاعر معيض القافري من كبار شعراء زهران في عصره ، عاش جل حياته في القرن الثالث عشر الهجري وانتقل إلى رحمة الله في بدايات القرن الرابع عشر الهجري، لكنه لم ينل الشهرة الكافية لانشغاله بالحروب القبلية التي كانت قبل استتباب الأمن والأمان في ظل الدولة السعودية المباركة -أدامها الله - ، كما لم تسنح له الفرصة بالمشاركة في حروب زهران ضد الأتراك بسبب كبر سنه ومرضه حينها، ولم يصلنا إلا القليل من أشعاره لقلة الرواة عنه وعدم إهتمام المتأخرين بحفظ أشعاره قبل وفاة من كان يروي عنه . وسوف أحاول كلما تيسر لي الأمر نشر بعض ما حصلت عليه من قصائده والحديث عنها لعلها تكشف للقراء الكرام بعض الشئ عن هذا الشاعر الكبير.

يعد الشاعر القافري من شعراء القيفان والوسائل والتي تشبه النظم إلى حد كبير كما أن قصائد العرضة التي وصلتنا عنه يغلب عليها طابع الفخر والحماسة ولا تخلو من الحكم والنصائح مثل قوله في هذه الزملة القصيرة:

يا منديل أي جدنا مثل حيدٌ ما يشال

حل في الأطراف قبلك ولا حد شدده

الردود:

العواذر ما تجي إلا من أفواه الرجال

ما تجي فوق اسنمات الجمال مشددة

وفي هذه القصيدة رغم قصرها دعوة للخصم بقبول الصلح والإشارة إلى أن معطيات الإصلاح ليست في قيمتها المادية بالضرورة ولكنها بكلمة الرجال وقبولهم .

وله أيضاً بعض القصائد الجميلة على طرق اللبيني وطرق الهرموج وهي من الألحان التي كانوا يتغنون بها في غامد وزهران وما يجاورهما من القبائل ولعله يتيسر لي الأمر مستقبلأً أيراد بعضٍ منها.

قال ابن خُرمان:

يعتبر طرق الجبل من أهم الألحان التي كان يتغنى بها الناس وينظم عليها شعراء ذلك العصر فهو اللحن الجميل الذي يستطيع به الشاعر الخروج من قساوة الحياة وجفاف شعر العرضة إلى مجالات أخرى يغلب عليها طابع الغزل ، وكما ذكرنا في مقالات سابقة يعتبر الشاعر أحمد بن جبران - رحمه الله - ملك طرق الجبل المتخصص فيه ويكاد يشبه الشاعر العباسي العباس بن الأحنف لتخصصه في الغزل . أما شاعرنا معيض القافري – رحمه الله - مثله مثل شعراء عصره لابد أن يكون لهم قصائد على هذا الطرق ومنها القصيدة التالية :

البدع

السود من شاش(ن) ينشر ع البنادر

من كما الغربان واحنى

على الذي يترك صديقه ما يعوده

كم لي اتحرى وعوده

حليل من يرجي صديق(ن) له ولا جاه

 

الردود

ياغفر صيد(ن) من قرى عيسان نادر

فز من محنى لمحنى

ما يرتعي الا البقل لا ناضت جروده

يعجبه من لين عوده

قناصته ما عد لهم حظ(ن) ولا جاه

 

بدأ الشاعر قصيدته في الطرف الأول ( البدع ) بلوم محبوبته على انقطاعها عنه وأنه ينبغي أن ترفع السوداء والتي شبهها مثل سواد الغراب بل أكثر سواداً للصديق الذي يقاطع صديقه ، وقد كان من عادة الأولين رفع قماش أبيض تسمى البيضاء في الأسواق لمن يقوم بعمل مشرف بينما عكس ذلك قماش أسود لمن يقوم بعمل لا يليق وهذا ما عناه الشاعر هنا أن مقاطعة الحبيب غير لائقة خاصة بعد كثرة الوعود:

السود من شاش(ن) ينشر ع البنادر

من كما الغربان واحنى

على الذي يترك صديقه ما يعوده

ثم يذكر الشاعر أنه منذ مدة طويلة ينتظر وعوده بالمواصلة دون جدوى ، وأخيراً يتحسر على من يطول انتظاره دون فائدة فيقول:

كم لي اتحرى وعوده

حليل من يرجي صديق(ن) له ولا جاه

وكأنه هنا يذكرنا بقول العباس بن الأحنف :

إني لآمل أن أراك وإنني *** من أن أموت ولا أراك لخائف

 

وينتقل الشاعر في الطرف الثاني ( الردود ) إلى وصف الحبيب لكنه كعادة شعراء المنطقة يكني عنها بالصيد أو الغزال فيشبهها هنا بالغزال الذي شاهده نازلاً من جبل عيسان يتنقل بسرعة وخفة حركة من جهة لجهة ومن زاوية لزاوية واستخدم الشاعر في وصفه كلمة ( غفر صيدٌ ) كناية عن الستر والحشمة حيث أن  الغفر في لغة العرب تعني التغطية ومنه سمي المغفر لأنه يغطي الرأس :

ياغفر صيد(ن) من قرى عيسان نادر

فز من محنى لمحنى

وتشبيه الحبيبة بالغزال أو الظبي ورد في أشعار شعراء الفصيح فهذا قيس المجنون يقول:

أيا شبه ليلى لا تراعي فإنني *** لك اليوم من بين الوحوش صديق

ويقول آخر:

فما كان إلا عن قليل وأشغفت *** بحب غزال أدعج الطرف أكحل

ويستمر القافري رحمه الله في وصف المحبوبة التي شبهها بالصيد الذي

( ما يرتعي الا البقل لا ناضت جروده ) أي عندما يرتفع عن الأرض قليلاً وذلك لأنه ( يعجبه من لين عوده )

وابن دريد  قال في مقصورته :

يا ظبية أشبه شيء بالمها *** ترعى الخزامى بين أشجار النقا

وأخيراً يذكر الشاعر القافري أن كل من حاول قنص هذا الغزال لم يتمكن فهو ليس الصيد السهل ولهذا تعلق به الشاعر :

قناصته ما عد لهم حظ(ن) ولا جاه

قال ابن خُرمان :

ليست هذه إلا محاولة لحفظ موروث قديم وفاء لشعراء فقدناهم - رحمهم الله - وعصر كان فيه الشقاء والمعاناة والتعب وجزالة الشعر دون أن يكون هناك من يدون هذا الإرث حينها.

والله ولي التوفيق.

 

كتبه /

علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني

الدمام

12-3-2023 م الموافق 20-8-1444 هـ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق