بسم الله الرحمن الرحيم
بحتري الباحة يستحضر الماضي في مهرجان الأطاولة
قال ابن خُرمان :
اطلعت على قصيدة ممهورة بتوقيع بحتري
الباحة الشاعر المبدع حسن بن محمد الراوي الزهراني بعنوان ( سوق الربوع ) ألقيت في
مهرجان الأطاولة التراثي ، وكعادة شاعرنا في إبهارنا وشد انتباهنا كانت القصيدة
عودة للماضي حيث تداعت الذكريات عند الشاعر عن هذا السوق عندما كان ( يهبط ) إليه
طفلاً برفقة والده رحمه الله تعالى ولم يكن تداعي الذكريات خاصاً بالشاعر فقد جعلنا
نعود إلى ذكريات الماضي فهذا كان حال جيلنا جميعاً ، ولعله من الجميل متابعة أبيات
القصيدة التي ابتدأها بالعودة إلى أيام الطفولة الطاهرة والتي جعلها كائناً حياً
عاد فيه النبض وتنفست به الأحلام ثم يوالي الحديث عن تلك الذكريات حيث يبدأ يوم
السوق فجراً بتسلق السيارة اللوري ومن كان مثلهم يجد سيارة يتسلقها ليصل السوق فهو
من ذوي الحظوظ ولعله من حسن حظ سعد بن غرامة رحمه الله كذلك أن جعل شاعرنا يخلد
ذكراه في قصيدته ، ثم يواصل وصف الحالة بالدهشة حينما يصل إلى السوق فالإنتقال من
القرية الهادئة إلى السوق الذي يعج بالحركة يعتبر نقله كبيرة في عيون الأطفال فيرى
ما فيه من كثرة البشر حيث كانت الأسواق حينها ملاذ الناس للحصول على متطلباتهم وقد
ذكر شاعرنا بعضاً منها كأنواع الحبوب والثمار والسمن والعسل والملابس تتوزع في ساحات السوق كل نوع له بسطة خاصة ، وفي
جزء من السوق ساحة لبيع المواشي من بقر
وأغنام وغيرها مما يحتاجه الناس وخاصة المزارعون ، ثم يصف الشاعر مشاهدته للدكاكين
المصفوفة والتي كانت في أعين المتسوقين حينها تفوق ( المولات) حالياً , ولا ينسى
الشاعر تذكيرنا بما كان يعشقه الأطفال حينها فالتميس مع الشاهي وحلاوة الحلقوم
والشربيت كانت تعادل أفضل الولائم في قصور الأغنياء بل كانت تفوقها في نظر أطفال
ذلك الجيل رغم أن سعرها في ذلك الوقت لا يتجاوز عدد أصابع اليد من القروش التي لا
يجدها إلا القلة ..
سوق الربوع:
عادت لطـاهـر نبضهـا أيـامـي ....
وتنفست عبـق السنـا أحلامـي
وحكاية (اللوري) و (سعد ) حكاية
- ....
في الفجر - تكتب في عرى الأنسام
نـجـري إذا بـدأ المسيـر بخفـة ....
نرقـى السلالم خفيـة بسلام
وإذا وصلنـا يـااااالدهشتنـا
لـمـا .... يجري هنا من
( كرنفال ) سامي
وتبوح أعيننـا ببعض ذهولـنا ....
مـمـا نرى من هول بحـر طـامـي
فهنا الحبوب هنا الثمــار تأنقـت
.... والسمن والعسل الشهي أمامي
وهنا الملابس في تمام جمالهـا ....
وهناك بعـض بهيمة الأنعـام
ونرى الدكاكين التي ملئت بـمـا ....
فوق الخيـال ومذهـل الأرقـام
وألذ ماقد كان طعم تميسـة .... -
بالشاي -في المقهى بلهفة ظامي
و(حلاوة الحلقـوم والشربيت ) لا.....
تنسـى برغـم تـطـاول الأعوام
الله يـا (سـوق الربوع) أعدتنـا ....
لذواتنا بشمـوخـك المتنـامي
وإذا (ابن ثامرة) العظيم يصوغنا ....
شعرا يفيض بحكمة الإلهام :
قال ابن خُرمان :
بعد هذه الأبيات التي أخذت ألبابنا
وأعادت لنا الذكريات يستمر انبهار الشاعر بسوق ربوع الأطاولة فيستدعي قصة قصيدة
للشاعر الكبير محمد بن غرم الله الثوابي الزهراني ( ابن ثامرة ) رحمه الله تعالى
والذي اشتهر بالإصلاح بين القبائل في وقته ، وقصة القصيدة والتي حدثت قبل 100 عام
وربما أكثر باختصار أنه كما يعلم المهتمون كان للأسواق عقود ومواثيق ينبغي عدم
التعدي فيها ، فالأسواق لها حدود جغرافية ولها بداية وقت ونهاية يحمى خلالها
المتسوقون من أي إعتداء مهما كان السبب , كما أن القبائل والقرى كان لهم عادات
منها أن يحموا ضيفهم من أي إعتداء ( قبل أن يمن الله على هذه البلاد بالأمن
والأمان في ظل الحكم السعودي المبارك أدامه الله ) ، وحدث أن أحد الأشخاص من
الأطاولة كان له دين عند شخص من جهة البادية هبط السوق أثناء عقده وكان المديون
ضيفاً عند إحدى القرى من نفس قبيلة قريش زهران فما كان من صاحب الدين إلا الإعتداء
عليه مطالبا بسداد دينه لمرور مدة طويلة عليه مما أغضب مضيفوه فقتلوا رجلا من أهل
السوق في حماية ضيفهم فرد أصحاب السوق بقتل رجل منهم انتقاماً فتدخل العقلاء
وأوقفوا حمام الدم الذي بدأ يسيل وكان ذلك بوجود الشاعر ابن ثامرة الذي قال هذه
الزملة على لون الشقر حيث بدأ الطرف الأول من القصيدة مدحاً في سوق ( ربوع الأطاولة
) وأهله الذين يحمون عقوده من أي اعتداء ويدافعون عنه بكل قوة من رجال وعتاد حتى
جعلوا له هيبة بين القبائل وجعل المتسوقين يهبطونه بأمان واطمئنان ثم يمتدح التآلف
والجبراء بين أبناء القبيلة فيقول :
(ياسلام الله على -سوق الربوع - اللي في آل قريش
وين سوق مثل سوق الأطـاولة عند الوفا
والكملة؟
من تعدى ... فيه مـا يطلب سلامـا ..
مـا يسلمه
دونه الله .. والمـزرفل فوق
علـمـانـه يضـي فـنـا
مـا يصيب إلا وجوه القوم لا قام
العمل والدوسي
لو رمى حتى الجبال الراسية ذابت مـن
الوقود
حسبه الله صانع ولف رصاصـه والنقـاس
لـف
بندق له هيبة والهيبه من كثر الفعـل
واسّيـة
من تحزم منك يالميري خطر مـامـون مـا
عليـه
ما اقبح الفرقا، ويا ما احسن قبيلة
شورهم ولفـان
يلتقون الخير والشر ... والغـلا بعده
يجي الرهـا)
قال ابن خُرمان:
وهنا يعود شاعرنا بحتري الباحة ليلفت
انتباه السامع والقارئ إلى الطرف الثاني من قصيدة ابن ثامرة والذي فيه بيت القصيد
والهدف الرئيس من القصيدة بقوله:
ثم انبرى ليحل مشكلة غدت .... تبري سهاما للمصير
الدامي
أصغى إليه القوم حين تيقنوا .... إن
الرشاد مع البيان السامي :
والطرف الثاني من قصيدة الشاعر ابن
ثامرة رحمه الله و كما أشار شاعرنا في البيتين السابقين كانت تحمل الحل الذي سيقبل
به المتخاصمون ويتم الصلح ، فقد بدأه بشرح المشكلة و أن ما حدث من قتل كان سببه
دين كما ذكرنا سابقا في المقال إلا أن الشاعر ابن ثامرة بحكمته وحسن رأيه رأى أن
المقتولين أحدهما في حماية العاني والثاني في عقود السوق وأحدهما يقضي في الآخر ثم
يعطيهم الشاعر عن زهران السبل والسية أي المساواة إن حدث مثل هذا في مكان آخر،
فقبل الجميع حكمه وانتهت الثارات بفضل الله ثم حكمته ومن حضر من العقلاء.. فيقول
ابن ثامرة في الردود :
(يوم اراد الله بصكة حين بين اثنين
من قريش
والسبب دين لولد الأطاولة عند البدو
من كم له
وهبط يطلب عميلـه في الخلاص وأبى
يسلمـه
قال ولد (الـقـسـمـة): وقفت عانينا
... وضيفنـا
ونقا الجعفر في الوقفة برجال من أهل
الدوسي
ورجال الأطاولة ... نقـوا برجال ..
في العقـود
وتقاضينـا في ... التالـي .. بالأول
والنقـا سـلـف
والذي متغمص تعطيه زهـران السبل
والسيـه
والسوالف قد مضت والآدمي لـه مثل ما
عليـه
أشهد أن البيض لقريش بن ماهر حيهم
والفاني
أبد يا جبريل ... واسرافيل ..
ومكاييـل جرهـا )
قال ابن خُرمان:
ويختم الشاعر الكبير بحتري الباحة
قصيدته بأبيات يفتخر فيها بأبناء الأطاولة أبناء وأحفاد أولئك الذين امتدحهم ابن
ثامرة ، فقد أقام أبناء الأطاولة مهرجاناً تراثياً استمر لعدة سنوات أدهشوا به
الجماهير وشرفوا الوطن و أحيوا تراث سوقهم ومعاناة حياة الأولين من آبائهم
وأجدادهم ويستحقون عليه الشكر فيقول:
واليـوم قلـت كقولـه لمـا رأت ....
عيني كرامـا مـن أصـول كرام
قاموا بهذا المهرجان فأدهشـوا ....
كل الأنــــام بـدقة الإحكـام
قد شرفونا ، شرفوا الوطن الذي ....
نهوى ثراه على مدى الأيـام
فلهم عظيم الشكر من أعماقنا ....
ولهم مع مسك الختام سلامي
ختاماً : أتمنى أن يصل ما كتبته من التعليقات
هنا إلى مستوى جمال القصيدة ومستوى الجهود التي قام بها أبناء الأطاولة في إقامة
هذا المهرجان والذي استمر لعدة سنوات فهي ليست إلا مشاركة متوضعة إعجاباً بالقصيدة
والمهرجان .
أسأل الله التوفيق للجميع وإلى مزيد
من الإبداع والتألق.
كتبه/
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الباحة – المندق - بالحكم
3-2-1444هـ الموافق 30-8-2022م .
..............
نشرت في صحيفة مكة الإلكترونية على الرابط:
https://www.makkahnews.sa/5310819.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق