بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن خُرمان :
حفل الأدب العربي منذ القدم بالهزل شعراً ونثراَ ، ولم تخل كتب الأدب من هذا بل أٌلِّفت كتب في هذا الشأن ولعل الجاحظ أشهر من كتب في هذا وهناك غيره من الأدباء أمثال الأبشيهي في ( المستطرف ) وابن الجوزي بكتابه ( أخبار الظراف والمتماجنين ) وغيرهم مما لا يتسع المقال لذكرهم وإيراد ماسطروه في هذا الخصوص .
أما الشعر فقد دعا بعض الشعراء إلى ترييح النفس ببعض الهزل ، قال الشاعر أبو الفتح البستي:
أفد طبعك المكدود بالجد راحة … يجم ، وعلله بشيءٍ من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن … بمقدار ما يعطى الطعام من الملح
ولأبي فراس الحمداني :
أروح النفس ببعض الهزل … تجاهلاً مني بغير جهل
أمزح فيه مزح أهل الفضل … والهزل أحيانا جلا للعقل
بينما يرى البعض وخاصة المتشائمون أنه ينبغي للناس أن يتجنبوا الهزل والفكاهة فهذا المعري يقول:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهةً … وحق لسكان البرية أن يبكوا
لكن الدعاة إلى الظرف والفكاهة كثيرون ومنهم أبو نواس الذي روي عنه أنه خرج إلى السوق لشراء أضحية فاجتمع بأعرابي ظريف، فقال أبو نواس «لأجربنه لأرى صنيعه»، فسأله شعراً:
أيا صاحب الشاة التي قد تسوقها …. بكم ذاكم الكبش الذي قد تقدما
فرد عليه الأعرابي:
أبيعكه إن كنت ممن يريده …… ولم تك مزاحاً بعشرين درهما
فقال أبو نواس:
أجدت رعاك الله رد جوابنا …… فأحسن إلينا إن أردت التكرما
فقال الأعرابي:
أحط من العشرين خمساً فإنني …… أراك ظريفاً فأقبضن مسلّما
فدفع إليه أبو نواس خمسة عشر درهماً وأخذ كبشاً يساوي ثلاثين درهماً ، ومن طريف ما روي في الشعر الفكاهي ما قيل عن الربيع العامري عندما كان والياً باليمامة، فأُتي بكلب قد عقر كلباً فأقاده فقال فيه الشاعر:
شهدت بأن الله حقاً لقاؤه … وأن الربيع العامري رقيع
أقاد لنا كلباً بكلب فلم يدع … دماء كلاب المسلمين تضيع
قال ابن خُرمان:
وأكتفي هنا بما أوردته من الأدب الفصيح حيث أن موضوعنا عن الفكاهة في شعر الشقر والذي قيل فيه عدد من القصائد تكاد أن تكون جميعها في لقاءات خاصة ومسامرات وليست في حفلات وسأكتفي بعدد من القصائد مع بعض الشروحات لظاهر القصيدة لا لمعاني الشعراء التي يقال عنهم أن أغلب معاني قصائدهم خبو، ولعلي أبدأ بقصيدة على طرق اللبيني القديم قالها شاعر سقط في الأصادير([1]) في مكان يقال له ( قطّر ) و كاد أن يموت دون أن يجد له من ينقذه فقال:
زفير عبد (ن ) طاح من راس قطّر
أمسى وبصر
دمه يقطّر
ماله صديق (ن ) عند راسه يشيله
ويقول في قصيدة أخرى يعاتب صاحبته التي أخلفت موعدها معه رغم أنه أحضر لها هدية ( طبيخة ) وهي هدية قيمة أثناء الجوع وانتظرها في محنى([2]) الدرجة كما وعدها :
قعدت لك جوف محاني الدراج
وابيت تاجي
ياحالي الاهراج
ولادريت اني معي لك طبيخة
والشاعر الكبير سعيد الأصوك رحمه الله له قصائد في هذا المجال منها هذه القصيدة :
ذكريات سمعت يا ناس في شيخ العبيد
يوم قال ادعوا الرشيد
قال له مسعود يا شيخ ليش ندعي الرشيد
وانا باحكم ما نريد
اقطع ايده واكسر الدبية واخرجها بسرعة
ليتني حاضيت مسعود واتهرج معه
وبيت القصيد في قصيدة شاعرنا رحمه الله اقتراح مسعود عندما نشبت يد صاحبهم في الدبية ( وهي الجرة من الدباء أو الفخار) فيقول للشيخ : اقطع يده ثم اكسر الدبية وبهذا تخرج يده سريعاً ثم يتمنى الشاعر بأسلوب طريف أنه قابل مسعود الحكيم و تهرّج معه أي تبادل معه الحديث.
ومن قصائد الفكاهة القصيدة التالية التي رويت للشاعر صالح بن عقار رحمه الله وسأقوم بتغيير الأسماء بين الأقواس إحتراماً لمن ذكرت أسماؤهم :
يقول (بن محبوب) ويش مقتر(ن)([3]) جا عند ( لقمان)
أخرج ثلاثة ارباع ودعا لها ( علان وفلان )
جاب الصحن فوق الخشب والخشب عيدان عثرب
بغى يهد البيت والبيت من قدام غلة
ومن هذا النوع من القصائد الشعبية القصيدة التالية للشاعر سعيد بن حربي الزهراني والتي يشكو فيها من معاناة البعض في الصيفيات مع كثرة المناسبات والحفلات مما يضطره إلى التنقل لإيصال العوائل لهذه المناسبات وإعادتهم منها مما يحرمه التمتع بالصيفية وجمال الطبيعة فيقول:
يقلون صيف الباحة غايم وبه رعود
وجيت قصدي ارتاح وأشاهد الامطار
لكن وقتي ضاع مني سدى سدى
ما بين مستشفى وسوق(ن) وقصر افراح
ويش ذنب أبو عبدالله في اجازته يتغربل
كهلة يوديها وكهلة يجي بها
وللشاعرين المبدعين رياض بن محمد الخزمري وأحمد بن محمد الكناني عدد من القصائد الفكاهية نكتفي منها بهذه القصيدة والتي تتحدث عن معاناة شرحها الشاعر أحمد الكناني لصديقه رياض الخزمري أنه أثناء سفره بعائلته طلب أبناؤه أكلاً فاشترى لهم من أحد المطاعم الفخمة والغالية ساندوتشات محشوة باللحم والسلطات وغيرها إلا أن أبناءه أزالوا ما بداخل هذه السندوتشات وأكلوا الخبز مبلولاً في الببسي فما كان من الشاعر رياض الخزمري إلا بدع قصيدة فرش للشاعر أحمد الكناني ليذكر معاناته في الردود .
البدع رياض الخزمري:
ما يخلف الله لي الهقوات وأنا أحمد
إن شاء الله أبعث وأنا صوام وموالي
يقول ربي لمن صاموا على شانه
أدخلتهم جنتي من يوم صاموا لي
وداعي الكفر يبعث خايبن لونه
الردود من الشاعر أحمد الكناني:
الله يرضى على التهمان وانا احمد
من غير شكراً عليهم ضاعت أموالي
أنا اشهد أن المعثّر ما علا شانه
سعود وآخوه جيتوهم بصامولي
لكن عادوا في الببسي يبلونه
وسأختم مقالي بهذه القصيدة بين الشاعرين الشابين رياض الخزمري وخالد بن رفاعي الشيخي التي فيها الحديث عن معاناة كبار السن التي اضطرتهم ظروف الحياة إلى تركهم لديارهم التي يحبون واتجاههم مكرهين إلى المدن التي زادتهم أمراضاً فيقول الشاعران
البدع رياض الخزمري:
ياخالد اقرب تلزمن([4])
لا وابصرك طايحن مدن([5])
اللي يقدر رفيقه يقدر
الهجرة طاحت سنونها([6])
الرد خالد بن رفاعي الشيخي:
الله يا تالي الزمن
كبوا القرى واقفوا المدن([7])
الشيبة مسكين ماعد يقدر
والكهلة طاحت سنونها
قال ابن خُرمان:
ليس كل ما قيل في الشعر الشعبي ( شعر الشقر ) ورد في مقالي هذا بل هناك الكثير وقد سجلت بعضه في مقال لي أيام منتديات الانترنت بعنوان ( الشعر الحلمنتيشي ) يمكن الاطلاع عليه تحت هذا الرابط :
http://zahrani3li.blogspot.com/2009/11/blog-post_19.html
أتمنى أن يكون حالفني التوفيق في هذه العجالة لايضاح بعضاً مما يزخر به أدبنا الشعبي .. والله ولي التوفيق.
كتبه / علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الباحة – المندق – بالحكم
10-1-1444 هـ الموافق 8- 8 – 2022 م.
………..
الهوامش
[1]) المنحدرات التي تفصل بين السراة في جبال الحجاز وتهامة.
[2]) محنى الدرجة : زاوية الدرج .
[3]) مقتر : وليمة
[4]) تلزمن : تمسك
[5]) طايحن مدن : السقوط على الأرض
[6]) السسنوات.
[7]) كبوا: تركوا . أقفوا : ذهبوا إلى .
............
نشر في صحيفة مكة الإلكترونية على الرابط:
https://www.makkahnews.sa/5307632.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق