الجمعة، 10 يناير 2020

ابن جبران يستنطق الجماد ..

ابن جبران يستنطق الجماد




قال ابن خُرمان:
يعتبرالشاعر أحمد بن جمعان بن جبران الزهراني من قرية الصفح التابعة لقبيلة بالخزمر من زهران المتوفي عام 1350 هـ رحمه الله تعالى فارس طرق الجبل بلا منازع وقد كنت شبهته من قبل بالشاعر عمر بن أبي ربيعة في غزارة شعر الغزل وبلاغته والذي قال عنه جرير: (ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر) , أو يمكن تشبيه شاعرنا بالشاعر العباس بن الأحنف الذي اقتصر شعره على الغزل , ونعلم أن قصائد طرق الجبل يغلب عليها الطابع الغزلي وإن كنّى الشاعر عن الحبيبة بالغزال أو الريحان أو الصيد أوالقمر أو غيرها فلم يصرح شعراء الغزل في شعر الشقر الجنوبي بأسماء النساء احتراماً لهن وتقديراً لذويهن فهم يرون التصريح إمتهاناً للمرأة .. للشاعر ابن جبران العديد من القصائد الجميلة منها القصيدة التالية التي يصف مسراه لمقابلة الحبيبة في ليلة ليلاء بالغة الظلمة غزيرة الأمطار من الليالي التي قال محمد السنوسي عنها :
الليل في الريف غير الليل في المدن ..
ليلة تشبه التي قال عنها امرؤ القيس :
وليل كموج البحر أرخى سدوله .. عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
لكن شاعرنا ابن جبران لم يستكن للهموم ولم ينتظر الصبح لينجلي بل كان كما قال جميل:
لعمرك ما خوفتني من مخافة.. بثين ولا حذرتني موضع الحذر
فأقسم لا يلغي لي اليوم غرة .. وفي الكف مني صارم قاطع ذكر
فقد أوضح شاعرنا رحمه الله فعله في هذا الليل عندما اشتد شوقه لملاقاة الحبيبة فقال :
سريت لك يا صاحبي في ليل(ن) أعمى
سيل ورياح(ن) وظلما
قال ابن خُرمان:
رغم غزارة الأمطار والسيول التي قطعت الطرق والأودية وشدة الرياح والظلام الدامس سرى الشاعر لمقابلة الحبيبة التي كنّى عنها بـ (صاحبي) وهو يعلم أنه سيقطع المسافات ويصعد الجبال وينزل الأودية ليبلغ مراده , لم يكن معه إلا بندقيته التي لا يتخلى عنها في رحلاته ويدعوها ب ( المحلية ) والتي لشدة قربه منها واهتمامه بها يخالها تحادثه فتقول أنها سيصيبها البلل من هذه الأمطار لكنه مع هذا يصر على الذهاب فيرد عليها أن لا مجال للتراجع :
وقالت المحلية يا احمد عيني أغرق
قلت ما عا لليل مدرق
قال ابن خُرمان : يذكرنا هذا بقول عمر بن أبي ربيعة عن حالة جواده عندما تعب من كثرة الترحال :
تشكى الكميت الجري لما جهدته .. وبين لو يسطيع أن يتكلما
لكن ابن جبران سمع مخاطبة المحلية الجماد ورد عليها وكأنها شخص ماثل أمامه وربما اعتبرها كذلك فهي رفيقة الدرب .. ثم يوضح الشاعر حالة ليلته بكثرة دوي الرعد التي يسمعها من ناحية البحر, والبرق الذي يتلألأ لا يكاد يتوقف والأمطار التي كلما توقفت عادت مراراً وتكراراً, ثم يوضح شدة الرياح في البحر حتى أمسى ماء البحر يروج من تصاعد الأمواج وقوتها فيقول :
الرعد وسط البحر والبرُّق تلالا
وأغشاق الناوي تتالا
يا بحر بك ريحن تهب وبك رياجي
قال ابن خُرمان : وفي الردود يشرح شاعرنا الأسباب التي أجبرته على السرى في ذلك الليل بأنه سيكون في النعيم بمصاحبته المحبوب ومن الظلم تجنب هذه المقابلة لكلا الطرفين, وأنه سيواصل السير مهما كانت النتائج وإن تسبب له ذلك في هلاكه غرقاً في البحر أو حرقاً بالنار فيقول:
قال أحمد ام جبران صُحب الهيل نعمى
وان تجنبتاه ظلما
اظن لو باطيح وسط البحر واغرق
وايكن باشب واحرق
وكم يشبه قول ابن جبران هذا لقول الشاعر :
أيا من كان لي بصراً وسمعا ... وكيف الصبر عن سمعي وبصري
يقول العاذلون نأت فدعها .... وذلك حين تهيامي وولعي
أأهجرها وأقعد لا أراها ... وأقطعها وما همت بقطعي
وأقسم لو حلمت بهجر هند .... لضاق بهجرها في النوم ذرعي
هكذا قال ابن جبران :
يا صاحبي لو كان من دونك رجالا
ما انقطع عنك الرجا , لا
وأخيراً يقول أن مقابلته لمحبوبته إن لم تتم اليوم فغداً ستتحقق فلن ينقطع الأمل
واليوم لو ما جا صحيبي بكرة ياجي
قال ابن خُرمان:
ليست هذه إلا محاولة لإلقاء الضوء على شعر الغزل العذري في شعر الشقر الجنوبي لشاعر اختص بهذا النوع من الشعر لعلها تكون مفيدة للقارئ .
والله ولي التوفيق .

وهنا القصيدة كاملة :
البدع /
سريت لك يا صاحبي في ليل(ن) أعمى
سيل ورياح(ن) وظلما
وقالت المحلية يا احمد عيني أغرق
قلت ما عا لليل مدرق
الرعد وسط البحر والبرُّق تلالا
وأغشاق الناوي تتالا
يا بحر بك ريحن تهب وبك رياجي
الردود /
قال أحمد ام جبران صُحب الهيل نعمى
وان تجنبتاه ظلما
اظن لو باطيح وسط البحر واغرق
وايكن باشب واحرق
يا صاحبي لو كان من دونك رجالا
ما انقطع عنك الرجا , لا
واليوم لو ما جا صحيبي بكرة ياجي
...
دونه /
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الدمام
14 / 5 / 1441 هـ الموافق 9 / 1 / 2020 م .

.....
نشرت في صحيفة مكة الالكترونية على الرابط :
http://www.makkahnews.net/articles/5184777.html


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق