الجمعة، 27 ديسمبر 2013

شيء يسير عن شاعر كبير

بسم الله الرحمن الرحيم

شيء يسير عن شاعر كبير




يقول احد المتقدمين عن الشعراء :

الشعراء فاعلمن اربعة ........... فشاعر يجري ولايجرى معه
وشاعر يصول وسط المعمعة ........... وشاعر لاينبغي ان تسمعه
وشاعر لاتستحي ان تصفعه.

هذا القول ينطبق على شعراء العرضة بمختلف اطيافهم , كل شاعرمنهم ينطبق عليه شطر من الابيات السابقة , ومنهم شاعرنا شاعر العرضة الجنوبية وأحد أعمدة الشعر في منطقة الباحة ( صالح بن محمد اللخمي الزهراني ) الذي ينطبق عليه الوصف الأول فهو ممن يجري ولايجرى معه .

ويقول الشاعر عن الشعر :

اذا الشعر لم يهززك عند سماعه ..........فليس جديرا ان يقال له شعر

وهذا البيت به حكمة بالغة فيما يتعلق بالشعر جميعه الفصيح والشعبي به ملخص الشعر , فالشعر الذي لايتمكن من الوجدان لا يستحق ان تطلق عليه صفة الشعر بل تطلق عليه أي صفة تختارها فيما عدا الشعر .
وشاعرنا ممن تجبرك قصائده على الإنصات لها ومتابعتها , ففيها الحكمة وجزالة الألفاظ وحسن الصياغة والصنعة وقوة التعبير والصور البديعة .
شهد للخمي وقوة شاعريته جميع الشعراء الحاليين دون استثناء , ومن يتجاهل ذكره أحيانا في مقابلة صحفية او الاعتراف بفضله عليه في مقالة او كتاب لايفعل ذلك الا من دافع الحسد لاغير .
شهد للخمي منذ بداياته الاولى ومن سن الصغر كبار الشعراء اذ ذاك كالشاعر ( احمد الحرفي رحمه الله ) والشاعر ( احمد طريخم رحمه الله ) والشاعر ( صغير بن ناصر رحمه الله ) والشاعر ( جمعان الجوفاني رحمه الله ) والشاعر محمد بن مصلح اطال الله عمره والذي كان للخمي معه وقفات في بداياته .
لقبه الشاعر عبدالله البيضاني ( عميد شعراء العرضة ) وقال عنه في قصيدة :

اهلين ياشاعر كساه الله من مسك الختام
ياللخمي اللي يعرفونك من قريب ومن بعيد
وان حد نشدني عنك مالغياب والا الحاضرين
لاقول كما جماح ذاك اللي مقاريعه طوال
والا كما بن ثامرة والا يكون اقوى منه

هكذا يقول الشعراء الكبار عن نظرائهم .
نشأ اللخمي في بيئة الشعر , ففي بالحكم الذين غالبهم ممن يحب الشعر ويتذوقه ويعرف اتجاهات الخبو ومعانيه ممايجعل أي شاعر يتهيب من قول الشعر بينهم ويزيد حذره عن الوقوع في الزلل , نشأ اللخمي في بيت الشعر فجده لامه ( عارف بن محمد رحمه الله ) كان شاعرا كبيرا لايشق له غبار كان ممن تقابلوا مع ابن عيسى وابو شمال رحمهم الله وغيرهم , من قصائده التي قالها حين قابل ابن عيسى :

نحن كما سم معلقنا اصيله
من يعلقه سمه تغدي به الغيرة
يوقد عظامه بالشر وقادي
سم اسود ضامي للدم علق نابه

بدأ اللخمي الشعر في بداية التسعينات الهجرية , كانت بدايته تقليد الشاعر الكبير محمد بن مصلح , ثم قال القصائد في الحفلات الداخلية في بالحكم , واذكر من بداياته قصيدة الزملة التالية :

اهلك يا غرس موز ودونه شبكيه
الجنا محفوظ من سد شبك باديه
الردود :
انظروا في نور عيني هبا في القلب كيه
حط فوق القلب كيه وشب اكباديه

ثم التقى في حفلة في مسير مع الشاعر ابن مصلح ولم يدخل الحفلة الا مرغما وذلك لهيبة ابن مصلح الشعرية في ذلك الوقت , وكانت بينهم ليلة من أجمل الليالي ( للاسف الشديد بحثنا عن شريطها ولم نتمكن من الحصول عليه لقدم وقتها ) اذكر من ابيات قصائد الحفلة قول اللخمي لابن مصلح :

الاسود اسود واترك البيرما
وقوله في اللعب :
يخاف من عضة الثعبان والفات حية

تلك بدايات اللخمي .
اما عن شخصية اللخمي فهو الشاعر المثقف قد لايحمل اكثر من الشهادة الثانوية فاخذه المجال العسكري , ولكن الثقافة لاتتوقف على الشهادات العلمية فكثير من حملة الشهادات العالية ليس لهم من الثقافة الا ديكور الشهادة , كما ان كثيراً من الادباء كالعقاد والمنفلوطي وغيرهم لم يكن منهم من يحمل شهادة علمية عليا . أتت ثقافة اللخمي من قراءاته وسعة اطلاعه¸فالقراءة بدأت منذ الصغر حيث كنا ( انا وهو وبعض رفقاء الطفولة ونحن لم نجتز السنة الرابعة الابتدائية اذ ذاك) في ايام الشتاء والضباب ونزول الامطار نقرأ للكبار قصص المتقدمين مثل قصص ( تغريبة بني هلال , وعنترة بن شداد , والزير سالم , وسيف بن ذي يزن ) مما غرس حب القراءة في عقولنا , وتطورت القراءات مع مرور الزمن .
سأتكلم في السطور التالية عن بعض جوانب حياة اللخمي ( التي أعلم تمام العلم انه لايرغب الحديث عنها , ولكنني استميحه العذر حيث يجب عليّ قبل الآخرين الإشارة اليها _ فهي حق الصديق على صديقه ) .
اللخمي ذو الخلق الرفيع , ميزته التواضع للجميع صغيرهم وكبيرهم .
اللخمي الكريم لايكاد ينقطع ورود الضيوف عن بيته وخاصة في الصيفيات ( لكن الكرم متأصل في أصله ).
اللخمي البار بوالدته رحمها الله حيث نشأ يتيم الأب فربته أمه أحسن تربية , وهو يعيد لها جزء من الجميل يبرها في نفسها , ويبرها في بناتها , ويبرها في احفادها , ويبرها في اقاربها , ويبرها في من كان لها سندا في وحدتها .
اللخمي الوفي مع أهله وربعه وأصدقائه , من وفائه لأهله وأقاربه انه يراعي شؤونهم باستمرار , يعطف عليهم , ويتفقد أحوالهم , ومن وفائه لربعه انه دائما متواجدا في مناسباتهم , يشاركهم سعادتهم وأفراحهم ( يحضر حفلاتهم دون مقابل ولايأخذ شيئا الا بأغلظ الايمان ) , ويواسيهم في أتراحهم . ومن وفائه لاصدقائه أورد فقط القصة التالية التي ستفي بالغرض :  حيث كان من اعز اصدقائه ( صالح الملوى رحمه الله ) حزن عليه حزنا شديدا حين وفاته فقام بتربية أولاده حتى كبروا وزوج أكبرهم ابنته .
ماسبق اشارة الى بعض الجوانب من حياة اللخمي التي قد لايعلمها الكثير .
اما عن الشعر فاللخمي كما يعرفه كثيرون وكما أطلق عليه (مخترق الحضارات) يتنقل بين قديمها وحديثها مع ربط جميل للماضي بالحاضر ربط لايتقنه الاقلة , يمحص القصص يتساءل عن صحتها , ينقل لنا العبر من حوادثها , ويحفز جيلنا على إتباع الماضي المشرف , فمن قصة ليلى ومجنونها والتي تساءل عن صحتها , ثم قصة جحا واشعب وابونواس التي قال فيها :

في الكـتب يـاكم قـرينـا عن جحا وأشـعب وأبـونــواس
كل واحد من الثـلاثـة لـــه حكـاية سـطرت بعـد اسـمه
بـعـضهـا عـلم صحيـح و بـعـضهـا قـصـة مزيـفـة
كـم يكـتب عـنهـم الكاتـب وكـم كــذب وقـال الـراوي
المصيـبـة إنـا ضحكـنـا مـن سـوالـيفـه و صـدقـناه
قــال عـم أبـو نـواس اصـرح مـع الرعيـان بـا لغـنم
وإذا ريـت الجـو تغـيـر والنهـار أظلـم و فـاض النـاوي
كـن روس الضـان عـن غـزر المطـر و اتـرك ظهـورها
وصـرح يـرعى و جـا الـنـاوي ورد ايـده على الجـنبيـة
وهبــا في الجـلب ذبـحـة جـايـرة ما صــار مثـلهـا
الـذي يـركـن عـلى الــنـذلان لا يـزعـل ولايتـشـره
لـين يعـرف نحـو بيـعـه حـاضـرة و إلا مـدايـنـــة
الـلـيــلــه عـنــدي هــواجـــيـس وبــداعـي
مـــن بـيـن ذالــروس ودي أقـــول و اتـهـــرج
والجــلس طـعـمـه لــذيـــذ و يــشـفـي الصـدر
وبـيـر زمـــزم يـــداوي مـن ورد مــاهــــــا

ثم ينتقل بنا إلى ماضينا ويقارنه بحاضرنا فيقول :

كلنا مسلمين ولا بنرضى مع الاسلام دين
مالنا مقصد الا نصرة الدين واعلا كلمة الحق
والشريعة نجددها على منهج الهادي الدليل
لن الاسلام يدعو للتآلف ونبذ العنصرية
ثم يدعو الى دعم التكاتف وتوحيد الصفوف
والنبي والصحابة نشروا الدين واعلوا كلمة الحق
واظهروا دولة دستورها الشرع والدين الحنيف
فين ذات الصواري فين حطين فين القادسية
فينها الأندلس فين فاتح السند فين ابن الوليد
فين عمورية فين اهل ذيك القلوب اللي عزيمة
فين هيبة صلاح الدين فين عزم طارق بن زياد
يا وجودي على الماضي وغيري يصيح ويا توجد
صفنا اليوم وضعه ما يطمن وحاله ما يسر
من فلسطين الى الافغان للهند قتلة ما توصف
بعضهم بينهم والبعض بيد النصارى يقتلون
ان عجزنا وحدتنا قوى البغي من غربا وشرقا
يقدر الله يدمرها ويقدر يقولب صربها

هذا غيض من فيض , كما ان قصائد اللخمي لاتخلو من الحكمة والدعوة إلى حسن الأخلاق ومنها دعوته للشعراء بنبذ سوء الكلام وتركه والاتجاه للجميل من القول فيقول :

والله ياشعار مـاودي علينـا يضحـك الشّمـات
الخطا ممنوع والزلات ما تصدر من اللي ونعـم
والقصايـد لاتعـدت حدهـا تفـقـد بريقـهـا
والعرب مايذكرون الطّيـّب إلا بالكـلام الطّيـب
والكلام الشّين مايتقـدّر إلا مـن قبيـح النـاس
والرموز اللي مضوا قدامنا شعّـارٌ أقـوى منـا
غير ماتوا مانقل عنهم سبـاب ولا كـلامٌ شيـن
خيرة الله احكموا نظم القصايد واعتنوا بالمعنـى
وانتقوا علمٌ يجمل من محافـل داعيـة زهـران
وان بعض الشعر حكمة يطرب الخيال والعراضة
والحقيقة أن القصايـد معرفـة ماهـي مقاولـة

يتميز شعر اللخمي بحسن الصياغة وجزالة الألفاظ واستخراج المعاني وشقر الكلمات مما لايتخيله احد فمن كلماته التي لايعجز أي شاعر عن ايجاد كلمة الشقر في الردود:

الخيول الدهم قبلي تراكض ريتها
ومعدات بن لادن تحثوا بها
والعوادي قبل عيني تراكع ميتنا
علموني من بنى ذا الجدار ومن دمك

وأمثال هذا الكثير الكثير مما لايتسع المجال لذكره .
كما يتميز شعر اللخمي بالحكمة والأبيات التي تصبح أمثالاً , ومنها على سبيل المثال لا الحصر :

خلوا قليل الجهد بين العرب يتجمل
ياخذ ويعطي والعواذر مجملة
وقوله :
واحكامنا واعلامنا قبل ماتتقدر
لازم يجي فيها خطية وصايبة
وفي شعره الكثير من القصائد التي فيها النصح والدعوة للتفكر في العواقب فقد اتى على موضوعات تهم المجتمع منها على سبيل المثال ( الكفالة , هوامير سوا , من يربح المليون , الوظائف , غلاء المهور , الصداقة والاصدقاء , قصيدة في الدفاع عن سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ........ وغيرها الكثير ).
كما تطرق الى الدعوة للتفكر في الموت والدارالآخرة وما يدل عليه الشيب :
ياجليل الملك نطلبك في حسن الختام
الكبر له قدر والشيب قطعة مالكفن
مانبي نغتر باف كار واجسام قوية
لاهيا باقي نعجز وباقي نهرما

هذا هو الشاعر الذي أطلق عليه الأستاذ صالح سعيد المرضي لقب ( مخترق الحضارات ) وقال عنه : (أن التراث لدى صالح اللخمي"ليسَ تركةً جامدة، ولكنهُ حياة متجدّدة، والماضي لا يحيا إلا في الحاضر، وكل قصيدة لا تستطيع أن تمد عمرها إلى المستقبل لا تستحق أن تكون تراثاً ) .

يميل اللخمي بكل أسف للتواري عن الظهور والبعد عن الإعلام ويفكر في ترك الشعر وهذا مالانقره ولانؤيده عليه بل ندعوه إلى المشاركة في المزيد من الحفلات ( فالشاعر ليس ملكا لنفسه بل ملكا لمحبيه) .
وختاماً أتمنى ان اكون قد وفقت في ما أوردت ,والله ولي التوفيق .


كتبه /

علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الدمام
........................................................

نشرت هذه المقالة في عدد من المنتديات الالكترونية مثل منتدى الديرة , ومنتيات بالحكم , ومنتدى مجالس بني كنانة , ومنتديات زهران.

هناك 3 تعليقات:

  1. يعطيك العافية وسلمت على ما نقلت

    ويستاهل كوكب الشعر صالح اللخمي كل خير أطال الله بعمره

    ردحذف
  2. شكرا لك اخي الفاضل على مرورك وتعليقك

    ردحذف
  3. أبو عبدالله شاعر لا يشق له غبار ورجل شهم.
    شكراً ابن خرمان لمجهودك في اصدار كتاب يختص بحياة وشعر اللخمي.

    ردحذف