إذا فات الفوت , ماينفع الصوت ..!

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا فات الفوت , ماينفع الصوت .!

1 - روي أن إمرأة كانت تدعى ( زرقاء اليمامة ) , وكانت شديدة النظر , ترى عن بعد مسيرة ثلاثة أيام , ولم يستطع أحد الدخول الى قبيلتها او الهجوم عليهم قبل استعدادهم حيث كانت تبلغهم عن أي غزو قبل وصول الغزاة .. وكانت هناك عداوة بين قومها وقوم آخرين , فكر أعداؤهم في طريقة لغزوهم دون اكتشاف أمرهم , فتفتقت أذهانهم عن حيلة وهي أن يحمل كل رجل منهم غصنا من شجرة يتحركون في ظلها ليتمكنوا من خداع زرقاء اليمامة ويباغتوا قومها بالغزو .. وذات يوم رأت زرقاء اليمامة أغصان الاشجار تتحرك فنبهت قومها على ذلك قائلة أنها ترى شجراً يتحرك باتجاههم وتخشى أن تكون مكيدة فاستخف قومها بكلامها ولم يعيروها أي إهتمام , بل اتهموها بكبر سنها وتراجع قدرتها على البصر ورؤية البعيد .! , فتمكن الغزاة من مهاجمة قومها بهذه الحيلة وانتصروا عليهم وسلبوا حلالهم , كما قاموا بقلع عيني ( زرقاء اليمامة ) .. وكانت هذه نهاية الاستهتار بالتحذير , والتهاون في أخذ الاحتياطات المناسبة .

2 - كان دريد بن الصمة من شجعان العرب في الجاهلية وذوي الصولة والخبرة في ممارسة الحروب , وقد عمر طويلا .. قيل تجاوز المائتي عام , وكان في آخر سنوات عمره لايقاتل ولكن يحمل الى المعارك للاستنارة برأيه والتيمن به لخبرته .. كان بين هوازن قبيلة دريد بن الصمة وقبيلة أخرى بعض الحروب والغزوات , وكان على رأس هوازن ( مالك بن عوف ) فقرر أن يغزو تلك القبيلة , فساق مع قبيلته النساء والأموال , فسمع ( دريد ) الجلبة فسأل عن ذلك فأخبروه أن ( مالكاً ) ساق النساء والأموال معهم الى الغزو , فقال دريد : راعي ضأن أحمق وهل يرد المنهزم شيء ؟! إنها إن كانت لك لم ينفعك الا رجل بسيفه ورمحه , وإن كانت عليك فُضحت في أهلك ومالك , ارفع النساء والاموال الى أعلى بلادهم وعلياء قومهم وألق القوم بالرجال على متون الخيل .. فإن كانت لك لحقك من وراءك وإن كانت الأخرى أحرزت أهلك ومالك ولم تفضح حريمك . فلم يسمع كلامه مالك بل سفه رأيه قائلا : مانراك الا خرفت .! وطلب من قومه طاعته والا اتكأ على سيفه وقتل نفسه , فأطاعه قومه , فقادهم مالك الى المعركة وهزموا فيها وحدث ماتوقعه ( دريد ) .

فقال قصيدة منها الأبيات التالية :
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ...... فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ...... غوايتهم أو أنني غير مهتد
وهل أنا إلا من غزية إن غوت .... غويت وإن ترشد غزية أرشد

3 – قال ابن خرمان : وفي القصص الشعبية أن رجلا كان له ولد صغير يتصف بالشقاوة كعادة الاطفال , وكان في البيت نافذة في الدور العلوي يستطيع ذلك الطفل الصعود اليها وليس بها مايمنع الطفل من السقوط خارجها , وقد نصحه كثيرون بإقفال تلك النافذة حتى لاتتسبب في مالايحمد عقباه , فلم يستمع لرأي أحد . وذات يوم أثناء لعب الطفل سقط خارج النافذة ووقع على الأرض ميتاً .. قام ذلك الرجل بعدها بسد النافذة نهائيا . فقال أحد الشعراء القصيدة الشعبية التالية :
البدع /
شي في الجن أملاك وشي في الجن أشطاح
وأنا اتفكر وين ناس أدخل فين
ياحاشر سيله تناوش دحيا
الردود /
ابو الولد يوم ولده في الجنش طاح
من بعد مامات الولد سد خلفين
أبا يسد الخلف والولد حيا

الشاهد في القصيدة ( الردود ) حيث اوضح القصة ..
..........
قال ابن خرمان : ومما سبق يتضح لنا مدى دقة بعض الأمثال ومنها المثل الذي وضعته عنواناً لهذا الموضوع .. إذا فات الفوت , ماينفع الصوت !.

والله المستعان ..
_______________
سد : تعني أغلق نهائياً
الخلف : تعني النافذة

كتبه / علي بن ضيف الله الزهراني ( ابن خرمان )
الاثنين 14 ذي القعدة 1430 هـ
الموافق 2 نوفمبر 2009 م