ولو مات منهم من جرحنا لأصبحت .......... ضباع بأكناف الأراك عرائسا
ولكنهم في الفارسي فلا ترى ............ من القوم الا في المضاعف لابسا
ومن المنصفات قصيدة عوف بن الأحوص التي يعترف فيها بهزيمة قومه أمام كنانة وبكر وقريش، يقول فيها:
أُتيحَت لَنا بَكرٌ وَتَحتَ لِوائِها .......كَتائِبُ يَرضاها العَزيزُ المَفاخِرُ
وَجاءَت قُرَيشٌ حافِلينَ بِجَمعِهِم ...... وَكانَ لَهُم، في أَوَّلِ الدَهرِ، ناصِرُ
وَكانَت قُريشٌ لَو ظَهَرنا عَلَيهِمُ ........ شِفاءً لِما في الصَدرِ وَالبُغضِ ظاهِرُ
حَبَت دونَهُم بَكرٌ فَلَم نَستَطِعهُم ......... كَأَنَّهُمُ بِالمَشرَفِيَّةِ سامِرُ
وَما بَرِحَت بَكرٌ تَثوبُ وَتَدَّعي .......... وَيَلحَقُ مِنهُم أَوَّلونَ وَآخِرُ.
ويقول خداش بن زهير العامريّ يصف حربهم مع خصومهم :
فجاؤوا عارضاً برِداً، وجئنا .......... كما أضرمت في الغاب الوقودا
تنادوا: يا لعمروٍ لا تفرّوا .......... فقلنا: لا فرار ولا صدودا
فعاركنا الكماة، وعاركونا ........... عراك النمرِ واجهت الأسودا.
وهذه قصيدة للشاعر عبد الشارق بن عبد العزى الجهني عندما تقابل قومه مع ردينة وقد ذكر فيها شدة الحرب وشدة بأس خصومهم كما أشار الى عدم غدرهم برسول ردينة ( والذي ارسلوه يستطلع أخبارهم ) وعدم غدر ردينة برسولهم :
ألا حييتِ عنّا يا رُدينا ................. نحييها وإن كرُمت علينا
رُدينةُ لو رأيت غداة جئنا ............... على أضماتنا وقد احتوينا
فأرسلنا أبا عمرو ربيئاً ............... فقال ألا انعموا بالقوم عينا
ودَسّوا فارساً منهم عِشاءً ............. فلم نغدر بفارسهم لدينا
فجاءوا عارضاً بَرِدا وجئنا ........... كمثل السيل نركب وازعينا
فنادوا يا لبهثةَ إذ رأونا ............... فقلنا أحسني ضرباً جُهينا
سمعنا دعوة عن ظهر غيب ......... فجُلنا جولة ثم ارعوينا
فلما أن تواقفنا قليلاً ................. أنخنا للكلاكل فارتمينا
فلمّا لم ندع قوساً وسهماً ........... مشينا نحوهم ومشوا إلينا
تلألؤ مزنةٍ برقت لأخرى .......... إذا حجلوا بأسيافٍ ردينا
شددنا شدّة فقتلت منهم .............. ثلاثة فتيةٍ وقتلت قينا
وشدّوا شدّة أخرى فجروا ............ بأرجل مثلهم ورموا جوينا
وكان أخي جوينٌ ذا حفاظٍ .............وكان القتل للفتيان زينا
فآبوا بالرماح مكسراتٍ .............. وأبنا بالسيوف قد انحنينا
فباتوا بالصعيد لهم أُحاحٌ ........... ولو خَفَّت لنا الكلمى سرينا
ولأبي الفرج الأصفهاني في كتابه (الأغاني) قصة عن مدح دريد بن الصمة لربيعة بن مكدم ملخَّصها: أنّ دريد بن الصمّة لمّا رأى ربيعة بن مكدم -خصمه- وقد انكسر رمحه بعد أن قتل ثلاثة من خيرة الفرسان من أصحاب دريد، قال له: أيها الفارس إنّ مثلك لا يُقتَل، ولا أرى معك رمحًا، فدونك هذا الرمح، ورجع يُثبّط أصحابه عن ربيعة، فانصرف القوم، ونجا ربيعة، وقال دريد معبّرًا عن إعجابه بذلك الفارس :
ما إِن رَأَيتُ وَلا سَمِعتُ بِمِثلِهِ ....... حامي الظَعينَةِ فارِساً لَم يُقتَلِ
أَردى فَوارِسَ لَم يَكونوا نُهزَةً ........ ثُمَّ اِستَمَرَّ كَأَنَّهُ لَم يَفعَلِ
مُتَهَلِّلاً تَبدو أَسِرَّةُ وَجهِهِ ............. مِثلَ الحُسامِ جَلَتهُ كَفُّ الصَيقَلِ
يُزجي ظَعينَتَهُ وَيَسحَب ذَيلَهُ .......... مُتَوَجِّهاً يُمناهُ نَحوَ المَنزِلِ
وَتَرى الفَوارِسَ مِن مَخافَةِ رُمحِهِ ........... مِثلَ البُغاثِ خَشِينَ وَقعَ الأَجدَلِ
يا لَيتَ شِعري مَن أَبوهُ وَأُمُّهُ ............ يا صاحِ مَن يَكُ مِثلَهُ لا يُجهَلِ
وقبل انضواء الجميع تحت ظل الحكم السعودي الذي نشر الأمن والأمان بفضل الله تعالى , كانت القبائل في جزيرة العرب تعاني من كثرة المشكلات والاعتداءات كل قبيلة على أخرى متناحرة , وكان للشعر الشعبي دوره في التغني بامجاد كل قبيلة حيث كان الشعراء امتداداُ لإسلافهم في الفخر بقبائلهم خاصة منهم من حضر تلك الأيام ومعاناتها ليس شعراء وابناء هذا الوقت , الذين قال الشاعر ( علي بن سعيد بن عجير ) تلميحا لبعض الشباب واستثارة لهممهم وتذكيرا بأسلافهم :
البدع :
حي قيف يلبسون البندق
بندق من كل عينة
الرد :
احتمى الاطراف هي والمندق
والا فاما العرضة هينة.
ولم يكن لينقطع الخير ولم تنقطع مكارم الأخلاق في شعراء زهران فهم من نسل الأزد الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قابل وفد الأزد : " حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء " . والقصة كما وردت في كتاب ( تصحيح الرؤى عن بيئة الشنفرى ) للاستاذ / محمد بن زياد الزهراني نقلا عن كتاب ( منتهى النقول في سيرة أعظم رسول ) للاستاذ حامد محمود بن محمد ليمود عن وفد الأزد :
عن سويد بن الحارث , قال : وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما دخلنا عليه وكلمناه فأعجبه مارأى من سمتنا وزينا , فقال : ماأنتم ؟ قلنا : مؤمنين . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " إن لكل قوم حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم ؟" قلنا : خمس عشرة خصلة . خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها , وخمس أمرتنا أن نعمل بها , وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً . فقال رسول صلى الله عليه وسلم : ماالخمسة التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟ قلنا : أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت . قال : ماالخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها ؟ قلنا : أمرتنا أن نقول لاإله إلا الله , ونقيم الصلاة , ونؤتي الزكاة , ونصوم رمضان , ونحج البيت من أستطاع اليه سبيلا . فقال : ماالخمسة التي تخلقتم بها في الجاهلية ؟ قلنا : الشكر عند الرخاء , والصبر عند البلاء , والرضا بمر القضاء , والصدق في مواطن اللقاء , وترك الشماتة بالأعداء . فقال صلى الله عليه وسلم : " حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء " . ثم قال : أنا أزيدكم خمساً , فيتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون , " فلا تجمعوا مالا تأكلون , ولاتبنوا مالا تسكنون , ولاتنافسوا في شيء أنتم عنه غداً زائلون , واتقوا الله الذي إليه ترجعون , وعليه تعرضون , وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون " .
أقول لم يكن لينقطع الخير ولم ولن تنقطع مكارم الأخلاق في كل جيل من أبناء زهران , وفي موضوعنا كان هناك من الشعراء الشعبيين من قال قصائد تعتبر ضمن ( المنصفات ) , سأورد بعضاُ منها وقد يكون هناك بل بالتأكيد هناك آخرين قد يورد أقوالهم آخرين فهي خير من يمثل الشجاعة ونبل الأخلاق .
من المنصفات قول الشاعر ( علي بن سعيد بن عجير الزهراني ) من بالحكم في قرية عويرة من بالطفيل :
ياسلامي ياأهل شور(ن) ماتغي
رزربوا حظوه ومضحاة الخلب
الرد/
جدنا ماشد عنكم من مسير
وانت ماشديت من دار القهب.
ومن المنصفات ايضاُ قصيدة للشاعر ( عــــارف بن محمد الزهراني ) رحمه الله وهو جد الشاعر صالح بن محمد اللخمي الزهراني لأمه :
مرحباً واهـلين مـا دامـت بـلاد الـدف مجـلبة
نص من جـلابها يبقى لحرث الـدخن و الشـامية
والنصيـفه الثـانيـه تبقى لطــلاب المعـانـدة
انشدوا قرن المجيحي ويش جرى فوقه من الحلاجة
وانشـدوا عيـاخ ويش جاء بين باللشم وبـالحكم
حلفـوا وانحن حلفـنـا مـايســيرإلا مهـايـلة
وقعـدنا أربع سـنين انحن ويـاهم والفتن مشبوبة
ليـن اراد الله بحكمـه في ليـالي الحسـن امـاتها
ومن أجمل المنصفات والتي تستحق أن تسجل بماء الذهب قصيدة للشاعر ( احمد الحرفي الزهراني) رحمه الله يذكر فيها ماجرى بين ولد سعدي وبالحكم :
حي قيف عندنا مذكورة أفعاله وما جرى
الجبيري وابن تركي وأهل نيرا وصباح الدولة
ونقا العارض ومضحاة أهل دوقة وجلة الماثول
يوم قلتم بي نشب غليلة نحرق دورها والوادي
وأحتميناها بابو ركبة وشدات المعا بري
ونحن قلنا بي نشب أهل الخمر والدار نمسي فيها
ونخيل من سماوا وننوش أهل القريعة
وبدينا من قرا عياخ وأعطونا رصاص الميزر
وصدرنا برعمة يوم حامت الرقشاء على الدمي
والجعر وبن زعيزع وابن غلة شيوشوا حكمينا
وحسين البس يقول هيا اسعروا يافية الجنوب
وحسن بن سعيد قال الرد قياما واهترى في القومة
وتواقفنا قفا قرن العشر الى حزة الهكور
يشهد بن غلة وبن خشلان والبس واحمد الجعر
رشقنا لليوم في دار الخمر وأجوانها وسمية
وأنت صفرك لين تقوم الساعة في حصن المعاصبة
وتصالحنا وراء ذاك الصباح واليوم شيء واحد
وتحالفنا وكبينا المكايد والمقاتلة
أنت تنشد عن رما السعدي وتنشد عن لقط وغليلة
ونحن نرقب طفة المرشح عرفنا الديرة واهلها
هكذا كان الشاعر رحمه الله يمدح ربعه ويفتخر بهم إلا أنه لم ينس مع ذلك الإشادة بالخصم , ثم يشير أخيراً الى انتهاء الأمور الى خير, والصلح والتحالف بعد االعداوات .
وفي قصيدة له أخرى :
حي قيف زربوا الحدان من شرقا ويامنا
واحتموا الحدان من بحرا وصانوا حدهم من شاما
وبدوا في رهوة البيضاء وخلق الله مخيلة
عند وقت الظهر يوم قالوا سلام على سليم العاصي
انطرح مية مصوب من سليمي ومن حكمين
كل من ذاق الرصاص اللي سلم واللي ضوى اللحدان
ماقتل احد قبل فزعة بالحكم يوم الملازمة
ونهار السبت يوم ظلوا وظلينا كما الحلاجة
وحسين البس دعا سبعين قال الليلة يارماية
نتبع هذا العميل الموت حاوي في زهوبنا
واهترا شاقول قال الرد من الماثول الى الدرج
وتواقفنا قفا قرن العشر بين العشاء والمغرب
مابقي غير المحاياة ماتحايوا بالكفوف قيام
والحدايل تختلف واللي يخيلها من الشفيان
قال ويش هذي المناوير الذي في جر برعمة
والمعابر كانها ضرب الصواقع من حلوق الميزر
ماطلب عانة من اليوسي ولا ندعي بني سليم
اذاً فالمنصفات من وجهة نظري تعد أكثر بلاغة في الفخر , وتعطي قبيلة الشاعر التي ينصف فيها خصمه مزيدا من الهيبة والشجاعة , وكلما كان الخصم قوياً كلما كان الفخر أقوى .. وقد قال الشاعر الفصيح عن هذا :
ألم تر أن السيف ينقص قدره ........... إذا قيل أن السيف أمضا من العصا
وفي الختام / نحمد الله تعالى الذي أنهى ماكان من عداوات ومطاحنات ونهب وسلب حيث جمعنا تحت راية واحدة وتحت ظل حكومة شمل العدل فيها كل مكان وضربت بيد من حديد على كل معتد وظالم .
حفظ الله حكومتنا وأدام عزها وحفظ الجميع ابناءً أوفياء لوطنهم ..
والله ولي التوفيق
..................................................
كتبه علي بن ضيف الله الزهراني ( ابن خرمان )
الجمعة 10 / 7 / 1430 هـ الموافق 3 / 7 / 2009 م .