النعامة في شعر الشقر ..
لا يتبادر إلى الذهن عندما يأتي ذكر النعامة إلا أنها ذلك الطائر الكبير السريع في الجري والذي لا يطير لكنها عوضت عن الطيران بقوتها فركلة منها تقتل إنسانا أو أسدا ، وقد ذكر العرب عنها أنها لا طائر ولا بعير فيها من جهة المنسم والخزامة والشق الذي في أنفها ما للبعير وفيها من الريش والجناحين والذنب والمنقار ما للطائر، و قال عنها الشاعر:
إني تحيَّرت في أمري وأمرهُمُ .... مثـل النعـامة لا طيرٌ ولا جمَـلُ
وقال آخر في هجاء رجل كسول :
فأنت كساقط بين الحشايا .... تصير الى الخبيث من المصير
ومثل نعامة تدعى بعيرا .... من الطير اذا ما قيل : طيري
فان قيل : احملي قالت: فأني .... من الطير المربة بالوكور
ويضرب المثل بالنعامة في الخوف والجبن فيقال عن الجبان كالنعامة .. قال الشاعرعمران بن حطان :
أسد علي وفي الحروب نعامة .... ربداء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى .... بل كان قلبك في جناحي طائر
قال ابن خُرمان :
ونظراً لما في النعام من السرعة والقوة فقد شبه العرب خيولهم بالنعامة بل وأطلقوا مسمى النعامة أو القلوص أو الظليم على أفراسهم التي يتفاخرون بها فالشاعر الفارس الحارث بن عباد البكري عند قيامه لأخذ ثأر ابنه بجير الذي قُتل عندما أرسله للصلح في حرب البسوس كان يطلق مسمى النعامة على فرسه المشهورة وقد ذكر هذا في مايقارب خمسين بيتا من قصيدته المشهورة يكرره في بداية كل بيت فيقول :
لم أكن من جناتها علم الله .... واني بحرها اليوم صـــــال
قربا مربط النعامــة مني .... لقحت حرب وائل عن حيال
قربا مربط النعامة مني .... ليس قولي يراد لكن فعالي
قربا مربط النعامة مني .... شاب رأسي وانكرتني العوالي
ويقول عنترة بن شداد :
إِنّي أُحاذِرُ أَن تَقولَ ظَعينَتي .... هَذا غُبارٌ ساطِعٌ فَتَلَبَّبِ
وَيَكونُ مَركَبَكِ القَعودُ وَرَحلُهُ .... وَابنُ النَعامَةِ يَومَ ذَلِكَ مَركَبي
ويشبه الشاعر امرئ القيس ساقا حصانه بساقي النعامة لقصرهما وشدتهما وصلابتهما وهذه الصفات مما يحمد في الخيل فقال في معلقته المشهورة :
له أيطَـلا ظبيٍ وساقا نعامة .... وإرخاءُ سِرحانٍ وتقريبُ تتَـْفُلِ
وهناك الكثير مما ورد في الشعر الفصيح في هذا المجال لعلنا نكتفي بما أوردنا..
وإذا انتقلنا إلى شعر النظم نجد تشبيه الركايب بأولاد النعام لسرعتها فهذا الشيخ عايد الهذيلي البقمي يقول :
ياراكب ثنتين مثل القوايد .... مثل النعام الربد وان حق راعيه
تسرح من الثمدين والنشر قايد ...والصبح ضلع هذيل سبارهن فيه
و يقول شاعر آخر يشبهها بالظليم ذكر النعام :
هيه يا غادي على شبه الظليم مقتفيه الليل حاديه الظلام
ويقول الشاعر تركي بن حميد مشبها ناقته بالظليم السريع خشية الصياد :
يا راكب من عندنا نابية شط تشدي ظليم بالخلا صايعه ذور
قال ابن خُرمان :
وإذا اتجهنا إلى شعر الشقر الجنوبي نجد الشعراء تطرقوا في قصائدهم والتي يغلب عليها الرمزية ( الخبو ) إلى جميع صفات ما يعرفونه من الطيور والحيوانات ومنها ( النعامة ) موضوعنا في هذا المقال ، وسأكتفي هنا بالحديث حول قصيدتين القصيدة الأولى بدعها الشاعر أحمد بن علي الدرمحي الزهراني موجهاً البدع لشريكه في تلك المحاورة الشاعر الكبير عبدالله بن عيضه البيضاني الزهراني الذي أصاب هدف قصيدتهما والذي ربما كان أحد الأشخاص مقصوداً في الردود ولعله شاعر أخطأ عليهما فكانت هذه الرمزية البديعة منهما فيقول الدرمحي في البدع أنه لن يبتعد عن أهل الصدق ولن يجانبهم فهم الأولى بالقرب منهم ، ثم يضيف أن الشاعر الموهوب يُعرف من قبل الشعراء بأسلوبه وحسن كلامه وليس بكثرة الأبيات وطول القصائد التي يلقيها ، ثم شبه القصائد - خاصة الموجهة لهم - بالطريق وإنها إن لم تكن للناس جميعا يمرون عليها وحسنة التعبيد فليس لنا إلا المرور عليها سريعاً دون الاهتمام بما يقال فيها أي أن القصائد من أي شاعر مالم تكن تستحق الاستماع ويتناقلها الناس فلا ينبغي أن نهتم بها ..
يقول الشاعر الدرمحي في البدع :
يا بو ماجد عن اهل الصدق مالي بعاد ولا جناح
يعرف الشاعر الموهوب منهج كلامه وجنحاته
يتمعنى في المضمون ما هو بكثر ولا قلول
الطريق الذي ما هي بللعالم الماضين عامة
اقدر امر با قدامي عليها ولا اطا رتبها
ثم يأتي الشاعر عبدالله البيضاني ملك الرد بالقول لصاحبه وفي رمزية جميلة جداً أنه مالم يكن شاعراً كبيراً ويثق في نفسه وفي مالديه من الموهبة والمعرفة فلن يقول القصائد وهذا ما ينبغي لكل شاعر حيث شبه الشاعر بالصقر الذي ترفعه جناحيه إلى أعالي الفضاء ولو فقد جناحه سقط وهكذا الشاعر ما لم تكن لديه الموهبة والمعرفة والثقافة فلا ينبغي أن يقف أمام الجمهور ، ويأتي أخيراً شاعرنا ببيت القصيد وهو تشبيهه لذلك الشخص قليل المعرفة بالنعامة التي تستحق الرثاء من بين جميع الطيور فمهما طالت جناحينها لا تستطيع ولن تستطيع الطيران رغم أنها محسوبة ضمن الطيور ..
يقول البيضاني في الردود:
والله ما اجاري الحر القطامي وانا مالي جناح
ادري ان الصقر ما يرفعه فوق فوق الا اجنحاته
لو بيفقد جناحه طاح بين النوايف والقلول
لو رثيتم ذوات الاجنحة ما رثيت الا النعامة
لو جناحينها من سبعة امتار ما طارت بها
قال ابن خُرمان :
القصيدة الثانية في موضوعنا للشاعر الشاب فهد بن عيدان الكناني الزهراني بدعاً ورداً وكانت باتجاه مختلف عن القصيدة السابقة فالبدع كان فرشاً وتجهيزاً للردود كالمعتاد في شعر الشقر ، فالشاعر يطلب من صاحبه الرفق وعدم تسببه له بالموت بكثرة الصد خاصة وأنه لا يزال في سن صغير كما يرى ثم يقرر لصاحبه أنه إذا كان مصراً على القطيعة فليفعل .. فيقول في البدع :
يا صاحبي كيف ترميني بظلم اللحد
وانا بعد ما تجاوزت الثلاثين عام
كم قلت روح الهوى والحب عظها بعظ
وان كنت ناوي على قصم الظهر والفقير
دور على اسمي من اصل القايمة والغني
أما الردود وهو بيت القصيد و ربما كان فيه النتيجة الواضحة لما قد يترتب مما ورد في البدع فيؤكد الشاعر وبطريقة رمزية جميلة لهدفه أن الله جل جلاله هو العدل ولا يرضى الظلم والشاهد أنه أعطى في هذه الحياة الشجاعة للنمور بينما أذل طير النعامة فهي من فرائس النمور وطرائدها لكنها بعد أن تموت ينعكس الأمر في الاستخدامات فجلود النمور تستخدم أحذيه ينتعلها الفقراء بينما ريش النعام يوضع في المخدات والوسائد التي يستخدمها الأغنياء .. فيقول في الردود :
سبحان ذو العدل ما يرضى بظلم لاحد
اعطى الشجاعة النمور وذل طير النعام
وزاد ربي نصرها من بعضها بعض
وصار جلد النمر من تحت رجل الفقير
وصار ريش النعامة تحت راس الغني
ختاماً :
أتمنى أن يكون في موضوعي هذا ما يفيد القارئ ، والله ولي التوفيق .
كتبه :
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الباحة – المندق – بالحكم
صفر 1445 هـ / سبتمبر 2023 م.
..................................
نشرت في صحيفة النهار السعودية على الرابط :