بسم الله الرحمن الرحيم
دور الشعراء في الإصلاح
طرق الشعراء قديمًا وحديثًا مختلف أغراض الشعر من مدح، وهجاء، وفخر، وغزل وغيرها, وكان لبعضهم جهود في محاولة الإصلاح بين الناس ومدح من يسعى للإصلاح كذلك, ولعل هذا يتضح لنا في قصة الحارث بن عباد البكري في عدم الدخول في حرب البسوس بين تغلب وبكر بل إنه أرسل ابنه بجيرًا إلى المهلهل في محاولة لإيقاف نزيف الدماء بعد أن أخذ المهلهل بثأره، وعندما قتل المهلهل بجيرًا قال الحارث: نعم القتيل أصلح بين القبائل، ولم يستثار للدخول في الحرب إلا بعد أن ذكروا له قول المهلهل عند قتله (بؤ بشسع نعل كليب) فدخل الحرب مكرهًا، وقال قصيدته المشهورة التي منها:
لم أكن من جناتها علم الله ..... وإني بحرها اليوم صال
قد تجنبت وائلا كي يفيقوا .... فأبت تغلب علي أعتزالي
وأشابوا ذؤابتي بجبير .... قتلوه ظلماً بغير قتال
قتله بشسع نعل كليب .... إن قتل الكريم بالشسع غال
قربا مربط النعامة مني .... لقحت حرب وائل عن حيال
كما أن إطلاق لقب داعية السلام على الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى تأتي من هذا القبيل؛ فقد قال العديد من قصائده في مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف اللذين أخذا على عاتقيهما دعوة الناس للصلح، وتحملا ديات القتلى في حرب داحس والغبراء التي وقعت بين عبس وذبيان، ومن قصائده المشهورة معلقته التي قال ضمنها:
سعى ساعيا غيظ بن مرة بعد مـا .... تبزل ما بين العشيرة بالـــــدم
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله .... رجال بنوه من قريش وجرهـــم
يمينا لنعم السيدان وجدتما .... على كل حال من سحيل ومبــرم
تداركتما عبسا وذبيان بعدمـا .... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشـــم
قال ابن خُرمان:
ليس هذا الأمر حكرًا على الشعر الفصيح، بل ينطبق هذا على الشعر الشعبي, ففي شعر الشقر الجنوبي ألف الأستاذ محمد بن زيّاد الزهراني كتاب (الإصلاح والمفاخرة في شعر ابن ثامرة) أورد فيه عددًا من المواقف والقصائد للشاعر محمد بن غرم الله الثوابي الزهراني الملقب بابن ثامرة في الإصلاح بين القبائل لا يتسع المجال لذكرها، لكننا سنتطرق هنا لهذه القصة التي رواها لنا بعض من أدركناهم من كبار السن في بالحكم -رحمهم الله- أن مشكلةً حدثت بين أبناء بالحكم تسببت في القطيعة بين فرعي بالحكم (بالندا وولد علي) استمرت فترة من الزمن، ونزل ابن ثامرة في إحدى قرى بالحكم فعلم بالقطيعة فما كان منه إلا أن بادر بالإصلاح بطريقته الخاصة؛ حيث علم أن هناك مناسبة ستقام في قرية (دار المسيد) إحدى قرى (ولد علي) فذهب إلى كبار ولد علي وعقلائهم، وكان من ضمنهم الشاعرالكبير معيض القافري -رحمهم الله- جميعًا، وقال لهم: إن رفاقتكم (بالندا) يرغبون الحضور والمشاركة معكم في المناسبة، ويخشون أن تردوهم، فقالوا: إن رغبوا المجيء فأهلًا وسهلًا فهم منا وفينا، وليس لهم منا إلا الكرامة والتقدير، واعتبر نفسك رسولنا إليهم ودعوتهم، فذهب الشاعر إلى بالندا قائلًا: إن رفاقتكم ولد علي أرسلوني يقدمون لكم الدعوة فتعالوا نذهب إليهم، فاجتمعوا وساروا إليهم بعرضة فلما وصلوا استقبلوهم أحسن استقبال، ورحبوا بهم فكان الصلح الذي أنهى القطيعة بينهم.. وعند وصولهم قال الشاعر سعيد بن عجير رحمه الله من قرية العامية إحدى قرى بالندا (وقيل إن القائل موسى بن هميل رحمه الله) ممتدحًا المضيفين ومفتخرًا بربعه:
سلام يالفّة العور
يا أهل الشيم والنواميس
لفاك من يدمس الصور
إذا احنم أبو نواديس
ليرد عليه الشاعر معيض القافري -رحمه الله- مرحبًا بهم، ومؤكدًا أن الفرقى، والغضب، والتخاصم سببها إبليس العدو الأزلي للناس:
أهلين يا نمر مذكور
إذا لزم غُرّب العيس
وحياة من يطلع النور
إن الفراقي من ابليس
وكعادة الشاعر ابن ثامرة -رحمه الله- لم يدع هذه المناسبة دون أن يخلدها بقصيدة فقال الزملة التالية:
البدع:
مرحبًا ياراس قيفٌ حن يصيح الصوت بالندا
كنهم سيل غزيرٌ لا مضى شال الشجر وهشيمه
حكميٌ ما حسب للفتنة بارياع المهايله
ما طلب درب العوافي يوم للمرتين زلزله
وانحن ابني يوس عشرين ألف ياجاهل عديم الرا تب
الله أكبر كم حسبنا من جميل ومن مدوح كم
الردود:
ما يبيح الرشد من ولد علي وأولاد بالندا
والمحاسب يستحي من كل رأس نزلته الشيمه
يالله تمنع راعي الشيمة وطول في مهايله
والذي يلمح لنثره بيننا يارب زلزله
اخلصوا نياتكم وادعوا معي واقروا عليه الراتب
الله ينثر وجه من يلمح لنثره بين بالحكم
..
وهناك الكثير من الشواهد عن دور الشعراء في مجال الإصلاح سواء كان في شعر الشقر أو شعر النظم لشعراء سابقين ومعاصرين نكتفي في مقالنا بما أوردناه لإلقاء الضوء على بعض النواحي الإيجابية لشعر العرضة الجنوبية.
والله ولي التوفيق.
————
الدمام
1/ 7/ 1442هـ - الموافق 13/ 2/ 2021م
............
نشرت في صحيفة مكة الإلكترونية على الرابط :
https://www.makkahnews.net/articles/5234171.html