السبت، 17 يناير 2015

قال ابن خُرمان عن لُجين ..

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد فهذه قراءة إنطباعية عن قصيدة بحتري الباحة الشاعر حسن محمد الزهراني ( لُجين ) حيث بدأها الشاعر بمقدمة توضح لنا ظروف القصيدة قال فيها:
لم يبلغ عمر زواج الحبيبين عامين - ثم جاءت لجين - وبعد مولدها بشهرين - رحلت أمها لتتركها يتيمة- مع الزوج الحزين - .
قال ابن خُرمان :
بعد أن اتضحت لنا الحالة وفهمنا أنها على لسان أب مكلوم بحبيبته التي لم تهنأ بحياتها مع ابنتها الرضيعة فتركتها يتيمة ولا تزال في شهرين وكم ستحتاج هذه اليتيمة من الحنان والرعاية والمراقبة والتوجيه والتي لن يستطيع القيام بها غير الأم ولن يعوضها أحد ذلك أياً كان هذا الأحد.!
ولنستمع لما قاله شاعرنا على لسان الأب:
عـقـد الأسى بـك ( يالجين) لساني
فـسـكـبـت فـي سـمـع الـمـنـى أحـزانـي
قال ابن خُرمان :
الثكل وفقد الرفيقة والحبيبة يعقد لسان المكلوم فكيف إذا كانت هناك طفلة ك(لجين) فسيعقد الحزن واللوعة والأسى بتلك اليتمة لسان البعيد ناهيك عن الأب الذي سكب أحزانه في سمع المنى ، وهل للمنى سمع؟! ثم يطالب لجين بأن تتوقف عن البكاء وتكفكف دموعها التي تذيب بيادر الكتمان فتفضح المكلوم فيقول:
كفّي ( لجين) عن البكاء وكـفـكـفـي
دمـعـاً يـذيـب بـيـادر الـكـتـــمـــان
قـطّـعـت قـلـبـي يا لجـيـن تـرفّــقـي
إن الـذي أبـكـاك قــــــــد أبـكـــــانــــــي
فـأنـا وأنـت حــكــايـــة مـكـتـوبــــة
بـالـدمع فـوق بــــــــراعـم ألأشـجـان
فــأنــا يـتـيـمٌ يــا يـتـيـمـة فامسحي
دمعـي. ودمـعــك يـحــــــــتـويـه بـنـاني
قال ابن خُرمان:
يشرح شاعرنا هذه المأساة التي وقع فيها الأب ويحاول شرحها لطفلته بل ويطلب منها أن تترفق به فقد تقطع قلبه من بكاء لجين والذي هو أيضا سبب بكائه ، فهما يتيمان سيمسح دموعها ببنانه ولكن هل تستطيع الرضيعة مسح دموعه ؟! ربما إن توقفت عن البكاء فهل سيحدث هذا ؟!. ولنرى كيف يبرر للجين تخليه عن أمها حبيبته وأنها هي من رحل بعد أن سلمها قلبه فتركت مع رحيلها قلبه وحيدا يذوق المرارة والحزن لفقدها .! فيقول الشاعر:
سـلّـمــت أمـك يـا لـجـــيـن بــرقـــةٍ
قـلـبـي لـيـبـقـى رائع الخـــفـــقـــان
لـكـنـهـــا رحــلـت لـتـتـرك خـافـقـي
فــرداً يــذوق مــرارة الـــحــرمــان
رحـلـت فـكـل سعـادتـي رحـلت ولـم
يــمـض عـلى فـجـر الهــــوى عامان
قال ابن خُرمان :
عامان فقط مع رفيقته وحبيبته وبفقدها فقد كل السعادة ، يااااه كم هذا الحب في قلب هذا الزوج لزوجته الذي يقول للجين أنهما مشتركان في الفقد حيث أنه بفقدها فقد الأهل والخلان وكأنه يذكرها بما قاله سابقا أنه يتيم مثلها ، ثم يستمر الزوج المحب في شرح حالة الدفن وتركه لحبيبته فقد كفنها وكم تمنى أن يكون معها في الكفن ثم أتى الدفن فهل يستطيع المحب إهالة التراب على الحبيب ، كم كان ذلك مؤلما فلم يستطع منع نفسه من البكاء بل النحيب العالي رغم محاولة المعزين والأصدقاء منعه لكنه الحب ومرارة الفقد لا يشعر بها إلا من يعانيها فلا نصيحة تنفع ولا زجر يمنع ويأبى الحب إلا أن يعبر عن نفسه حتى أنه تمنى ألا يغادر ذلك القبر ففيه الحب .. ويستمر الشاعر في الوصف فيقول:
إنـي فـقـدتُ كـمـا فــقــدتِ حـبـيــبـةَ
فـأنـا بـلا أهـــــلٍ ولا خـــــــــــــــلان
كــّفــنـت أمـك يا لـجـيــن فــلـيـتـني
بجـوارهــا قـد كـنـت فـي الأكـفــــان
ووضعـت طاهر خـدها فـوق الثـرى
وبـكـيـت حـتـى جــــفـت الـعــيـنـان
وعـلا نـحـيـبـي رغـم زجـر أحـبـتي
ووددت أنـي مـا بــــــــرحـت مـكـانــي
وخـرجـت من قـبر الحـبـيـبـة تاركاً
قـــــلـبـي بــــرفـقـة ذلـك الـجـثـمـان
طــــيـّبـتـه بـدمـوع عـيـني بـعــدمـا
أهــديـتـه غـصــنـاً مـن الـريـحـان
ووضعت كـفي فـوق وجـهـي نادماً
ورضـيـت حـكـم الـواحـد الـديـان
وحـزمـت أحـزان الـفـؤاد مـهـاجراً
بـمـواجـعـي بـحــثـاً عــن الـسـلـوان
قال ابن خُرمان:
هكذا الحب غادر الزوج المكلوم المقبرة ولم يغادرها قلبه فقد دفن هناك مع الحبيبة التي طيب قبرها بدموعه وليس له إلا الرضا بحكم الله تعالى في خلقه ( إنك ميتٌ وإنهم ميتون ).. غادر القبر بآلامه وأحزانه فربما وجد بعض السلوان .!
لكن ماذا حدث لهذا الزوج المكلوم والأب الثكل واليتيم ؟!. لنواصل وصف شاعرنا لهذه المآساة :
فإذا بوجهـك نصـب عـيـني راسماً
أمـلاً عــلـى بــوابــة الأحــزان
فــوقـفــت أقــرأه وأسـأل صــمـتـه
فـوجـدت فـي قــسـمـاتــه عــنــوانـــي
قال ابن خُرمان :
لقد وجد هذا الزوج الذي يبحث عن السلوان وجه ( لُجين ) ذات الشهرين الذي حين تأمله شعر ببعض الأمل أن تكون عوضاً عن أمها لكن الحقيقة كانت غير ذلك فقد كانت دموعها تثير الأحزان وتتكلم نيابة عن الرضيعة وكم لكلام الدموع من أثر على القلب .!
دموع متحدثة مفرقة بين الحزنين ، فحزن الأب سيموت مع الزمن ومع زوجة جديدة أما حزن لجين فمستمر، يتزايد مع مرور الأيام ومع مر السنين فمن يعيش بلا أم هو اليتيم الحقيقي ، فالأم هي من يرعى ويهتم ويتابع ، والأم هي من سيسهر ومن يعطي العاطفة دون حساب ، الأم التي هي نبض الحياة وصفوها ، وهي السعادة ورونقها .!
وإذا بـدمـعــك فــوق خــدك ثـائــراً
حــزنـاً يـهـاجـم مـوجـه شـطـآنــــــــي
وتـقـول بـعـض حـروفـه لا يـا أبي:
حـزنـي وحـزنـك لـيـس يـشـتـبـهـان
سـيـمـوت حـزنــك يـا أبـي أمـا أنـا
سـيــظـــل حـزني دائـم الــثــــوران
سـأعـــيـش يـا أبـتِ بـلا أمٍّ فـمـن
لي؟؟ إنّ عــــمـري يـا أبـي شـهــــران
من سوف يرعاني ويمسح دمعتي
ويـضــمـنـي فـي رقـةٍ وحــنــانــــــــي
قال ابن خُرمان :
يواصل الشاعر شرح معاناة هذا الزوج المكلوم بفقد زوجته ودموع تلك الرضيعة التي تزيده آلاماً على أمله فتتكلم نيابة عنها شارحة ماذا سيقابلها إذا كبرت عندما تشاهد زميلاتها وصديقاتها وأترابها معهم أمهاتهم وهي بدونها ، تسمع نداءاتهم واستغاثاتهم بأمهاتهم وهي لا تجد إلا الدموع تلجأ إليها لعلها تمسح جزءً من آلامها وحزنها.. فيسترسل الشاعر ويقول:
وإذا كــبـــرت فــكـم سـؤالٍ حـائـرٍ
سـيـمــــوت يـا أبـتـاه فـــــوق لـسـاني!!
سأرى رفـاقـي يـحــتـــوي آلامهـم
عـطـفُ الأمــومــة صـادق الـتـحـنـان
وأنـا أشـاهـد مـا يـدور وأدمـعـــي
نهـران فـي الـخـديـن يـــسـتــبــقـانــي
فـأنـا بـلا أمٍ أعـيـــــــــش يـتـيـمـةً
تـجـري سـمـوم الـحــزن في وجـدانـي
من ذا سـيـُنـسي القـلب أماً فارقت
صـفـو الـحـيـاة وعـطـفـهـا يـغــشـانـي
ماتـت ورأسي فوق ساعدها فمن
بـعـد الـحـبـيـبـة يــا أبـي يـرعـانــــــي؟؟
سيـظـل حـزني يا أبي من بعـدهـا
مـتــــــعـــــدد الأشـكـال والألـــــوان
قال ابن خُرمان :
بعد كل المعاناة والألم في القصيدة يعود بنا الشاعر وبلسان تلك الدموع للرضيعة يعود بنا إلى ما يجب أن نعود إليه وهو الله جل وعلا الذي عنده الرحمة وإليه الملتجأ، يعيدنا شاعرنا إلى كوننا مسلمين نرضى بالقضاء ونطلب رحمة الرحمن .. فيقول :
لـكـنـنـي ســـألـوذ بـالله الـــــــذي
أحـيـا بــقــلـبي نـبـتـة الإيــــمـــان
سـيـذيـب إيـماني جـبـال مواجعي
سـأعــود أنــشــد رحـــمـة الـرحـمـن
قال ابن خُرمان:
لم نتجاوز الأبيات الأولى من هذه القصيدة حتى أحسسنا بالمعاناة والألم لحالة هذه العائلة المكلومة، زوج حزين يعصره الألم والحزن على فقد الحبيبة والرفيقة وتركه لها مدفونة في قبرها ثم معاناته مع طفلته التي كلما نظر إليها تذكر أمها ، وكلما سمع صوتها فز قلبه لحالها ، وكلما شاهد دموعها رسمت له العذاب .. ولم ننتهي من القصيدة حتى بكت قلوبنا ودمعت أعيننا ..
إن قرأنا قصيدة نزار في بلقيس وأحسسنا بحزنه وألمه ، وإن راجعنا رثائية مالك بن الريب لنفسه أو وداعية إبن زريق لا نجد مثل وصف الحالة عند شاعرنا بحتري الباحة من قصيدته المشهورة ( مساء الموت ) أو قصيدة ( أبتاه كيف قتلت أمي ) وقبلهما قصيدة ( سفاح الجنوب ) إلى هذه الرائعة ( لُجين ) يحز قلوبنا ويدميها ويبكي مدامعنا ( عفا الله عنه ) ثم يدخلنا في جو القصيدة وكأننا جزء منها أو هي جزء منا ..
شكراً لك شاعرنا على هذه الروائع ..

كتبه/
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني
الجمعة ٢٥ ربيع الأول ١٤٣٦ هـ الموافق ١٦ يناير ٢٠١٥ م
الدمام

.......................

رابط الفيسبوك :
https://www.facebook.com/zahrani3li/posts/10204007268565483